الأحد، 25 ديسمبر 2022

ساعات أكثرُ من أن تُعاش !

 حينها فقط تنبهت إلى أدق التفاصيل، رأت قلب الوردة لأول مرة، سمعت حسيسها، تحسست نبضها .. رأت الأشياء غير الأشياء و مات الإعتياد ذبيحاً، ومن بعد ذلك تساءلت، "هل أنا أبصر لأول مرة ؟"

تجوّلت فأحست بالهواء يعبث بردائها ويدغدغ أرنبة أنفها، حينها فقط جربت التحليق عوضاً عن المشي .

كان الموعد الأمثل لتتعرف على نفسها من جديد، كصديقة دائمة أو صديقة جديدة، لتتكشف مواطن الإختلاف والتجديد، ومواطن الحفظ و الإبقاء، لتسألها الأسئلة المعتادة فتجيبها بأجوبة غير معتادة، ليبدأ الحديث بلا ترتيب وقوالب، حديثاً تلقائياً صافياً، لتتحرك العيون بلا سكون، و يهدأ ضجيج العقل بلا اضطراب، لتمتزج كل الألوان لوناً واحداً ولتُخبز الكلمات ولا تؤكل، ليستذكرن الدروس سوياً ويتبادلن العلوم مطولاً، ألا يستحق كل ذلك أن نقتطع من الأربعة و العشرون خاصتنا ؟ أليس جديراً بأن يمنح استحقاق الزمن ؟ نعم يستحق .. و نعم جدير بذلك .


الاثنين، 28 نوفمبر 2022

أشتاق إلى التنفس !

في المرة التي تنفست فيها لأول مرة ..

 قبل ٥ أعوام تقريبًا.. تلك المرة التي شعرت فيها وكأنني أتنفس للمرة الأولى في هذه الحياة، أتنفس بعمق .. تذوقت الهواء، وحينها فقط علمت أن للهواء طعم ورائحة ووجود ! غريبة هي هذه الحقيقة ولكن لذّتها صرفتني عن غرابتها، وغرقت في اللحظة تماماً .

في تلك المرة، طالعت السماء ليلاً فرأيتها لوحة قد أحسن المولى بنائها، وجدت النجوم معلقة وكأنها عوالم قائمة بذاتها، تنصتّ إلى أحاديثها وشاركتها الدردشات، وكانت بداية انبثاق صداقة من نوع آخر.

كانت المرة الأولى التي يكون فيها عقلي هادئاً، والأولى التي يكون فيها حاضراً في اللحظة الراهنة فقط، وكأن الأفكار قد اختفت، وكأن التفكير قد انتفى، لأول مرة لا أفكر بغدٍ، بل بالآن فقط .. كان حديث النجوم ساحراً، مطمئناً حتى النوم .. نوم حقيقي هذه المرة !

هناك تعرفت على نفسي لأول مرة أيضاً، و عرفت أنني كنت أرتدي الإنطواء تكلفاً وبداخلي روح تحب إلقاء التحية على كل الكائنات، وتأنس بالإجتماع، وتستجلب الأحاديث، وتتبنى الضحكات .. كانت تلك أنا بشكل آخر في مكان آخر وفي زمان آخر، يا ليتني أصل إليها !

كل تلك المشاهد تختزلها جغرافية واحدة، إن غبت عنها غابت عني .

فهل تحنّ الجغرافيا كما نحنّ إليها ؟

الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

تلك الأيام ..

"وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"
هي حكمة الله في هذه الحياة، أن التاريخ لا يموت بل يبقى ويتكرر، ويجرّ معه سلاسل من المشاعر التي تعود إلى الحياة بنهم كلحظة ولادتها الأولى، ومشاهد تعاد كشريط تالف لا يتوقف عن الدوران، ونعود إلى النقطة الأولى بإرادتنا ورغماً عنا، ونظن أنه مجرد رقم خط على ورقة ليعرّف الزمان، ولكنه نقش حُفر في زوايا عقولنا ينبض عندما يتماثل مع الأرقام في الورقة .. الأرقام نفسها التي نظنها مجرد توقيت أو تقويم، ولكنها توقظ أشياءً بداخلنا، عواصف لا تهدأ .
كنت أرجو وبشدة أن تعتقنا التواريخ من سطوتها ولكنني الآن أعي أن في هذا التاريخ جزء مني، إنني مجموعة تواريخ إذا تخليت عنها تخليت عن نفسي، إنني السابع عشر من نوفمبر بألمه، إنني الثالث من يوليو ببهجته، إنني الأول من يناير بشاعريته، إنني الأول من رمضان بفرحته، إنني العاشر من ذي الحجة بأشواقه، إنني الجمعة بطمأنينتها، والسبت برتابته والثانية عشر بعد منتف الليل، إنني الثامن والعشرون من رمضان بإنكساره .. إنني كل تلك الأيام .. إنها أنا .

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

زحام الشعور

 أتعبتني كثافة المشاعر وسرعة تبدلها، أنهكني التخبط طمعاً في الوصول إلى الإستقرار ثم لا يهدأ شيء في هذه الحياة، لا تصمت الكائنات، لا تتوقف النزاعات، لا تختفي الوجوه، لا تبقى سوى تلك الضوضاء تكررنفسها، ثابتة على الحركة، تراقص قلبي بل ترقص فوق أشلائه .

لست ناقمة على هذا الكم من المشاعر، إنني فقط أتعجب وأتأمل .. أسأل ولا أجد جواباً، أبحث عن الإسترخاء فلا أجده، ولكنني أجد شيئاً من أثيره في التغافل فأتبناه .

هل يحييني أم يقتلني لست أدري .. ولكنني الظمآن الذي وجد شرابه فانقض عليه دون تأويل وعناء تفكير، إذا كان الشراب ينهي حالة قد احتلتني بلا رحمة فما الداعي إلى النظر في ماهيته وتحليل مكنوناته ؟ أليس هذا طبع الإنسان ؟ أن يسد حاجته بما يجده وإن كان فيه هلاكه .. وفي تلك اللحظة فقط يختفي العقل وينقرض المنطق .

وقد خلق الله قلباً يتسع لكل تلك المشاعر فلا تجزع !

الأحد، 9 أكتوبر 2022

نصف فلسفة وحياة كاملة

وتسألني أنتِ منّا أم منهم ؟ 

وأقول لست منكم ولا منهم، أنا روح تنتمي لهذه الحياة فقط بلا مسميات .

وتسألني أيّهم أقرب إليك ؟ 

فأقول قريبٌ هو كل ما يشبهني ولو باعدت بيننا أبعاد سحيقة .

وتسألني من منهم الأفضل ؟

وإنْ جاوبك صوت طفولتي الساذج يوماً فصوت نضجي صامتٌ لا يجيب .

وكم رهنت نفسك للمسميات، تعيش بها ولأجلها وكم نسيت أن تحاول أن تكون "أنت" .. "أنت" فقط مجردٌ من أيّ إضافة أخرى .

وكم تشبهني روحي إلى الحد الذي تُريني كل من سواها غريباً .

وكم تألف روحي من حولها إلى الحد الذي يقربها من كل الكائنات . 

و كم و كم وكم ... 

سؤال أخير .. هل هي فلسفة حياة ؟

بل هي الحياة كما أراها .

السبت، 1 أكتوبر 2022

خذني إلى حيث أنتمي

 خذني إلى حيث أنتمي .

حيث أعود للحياة .

حيث أشعر بأنفاسي من جديد .. حيث أسمع صوتي لأول مرة .

حيث أشهد ولادتي .

خذني إلى منبتي .. إلى جذوري وأوراقي .

إلى منطقة اللاوداع إلى ملتقى اللادموع .

خذني إلى أرض الوطن .. أو اصنع لي وطناً في الأرض .

خذني إلى حيث تتحد روحي بجسدي وتتناغم مع سيمفونية الطبيعة .

إلى حيث لا حدود .. إلى حيث تنتهي سلطة العقل والمنطق .

إلى النقطة التي يتوقف فيها الزمان .. ويتصافى فيها الضدان .

إلى حيث أعود طفلة من جديد، ويتوقف العمر عن الركض كما امتهن دوماً .

إلى الربيع أو الخريف وكل فصل هامشي في هذه الحياة .

إلى نقطة البداية أو نهاية الطريق .

إلى ما بعد الوعي .. وما دون الفكر .

إلى كل ما ينتمي إليّ وأنتمي إليه .

خذني ...

بل سأبقى .

السبت، 24 سبتمبر 2022

أنت تستحق الخلود

 تكبر في هذه الحياة وتمضي أيامك ساعياً لأن تكون مميزاً، وأن تكون حكايتك التي أنت بطلها أسطورية تخطّ أحداثها على ذاكرة الزمان، وتظن أنك في طريقك إلى هذه الصورة اللامعة وأن كل سعيك ينصب عليها ويؤدي إليها -أو هذا ما تخاله على الأقل- .

وفي لحظة مباغتة من الزمان تتوقف عن السعي، تتخلى عن توقك إلى هذه الحكاية وترضى بحياة أقل من عادية .. حياة بلا معالم .. ميزتها أنها سهلة ومريحة .. متاحة وسريعة كأي اختراع جديد وُجد لإراحة البشر وتخليصهم من المعاناة المزعومة .. او فقط من أجل إنتاج المزيد من جينات الكسل بداخلهم وتحفيز السعي نحو الراحة .

مثير كيف تحوّل كل توجهك من التميز والتفرد ، إلى السائد والمريح !

في الحياة قصص شتى، قصص تموت بموت أصحابها وقصص تحيا بعدهم تظلّ تُذكّر بهم وتنادي بأسمائهم، ومن الحياة تعلمنا أنّ الكثير من القصص العادية هي قصص قصيرة الأمد لا تعرف للخلود سبيلاً .. ولا يخلد فيها إلا من كانت قصته مختلفة، وحتى تلك المعاناة التي تظل تهرب منها كطفل هارب من وحش يختبئ تحت فراشه هي ما سيبقى ذكرها، هي ما ستختم قصتك بختم الخلود .

يقال القصة لا تموت .. لا، بل تموت !

عندما تكون القصة انعكاساً لأخرى وأخرى في مرآة كبرى، ستموت بلا أدنى شك، عندما تكون القصة مصبوغة بلون واحد بين مثيلاتها لن تُرى ولن تُميَّز على الأرجح، عندما تكون القصة ذات عنوان وفصول وبداية وخاتمة مألوفة جداً .. ما الذي سيجعل منها قصة تستحق البقاء والإطلاع ؟

و أنت عندما تكون فلاناً آخراً، كيف ستُعرف ؟ هل باختلاف الحروف في الأسماء ؟ أم بتباين الجغرافيا على الأرض ؟ عندما تكون نسخة من فلان الذي سبقك والذي يجاورك والذي سيأتي من بعدك .. ما الفرق حينئذ بين نسخة جيدة وأخرى رديئة ؟ أليست نسخة في الأخير ؟

واعلم أنك تستحق الخلود بين الأجيال، واعلم أنك لم تُخلق لتفنى وتتلاشى بقاياك كرماد أحالته الرياح إلى غبار وأحاله الوقت إلى عدم .

....

"واعلم أن كلُ نفسٍ ذائقةٌ الموت لكن ليست كل نفسٍ ذائقةٌ الحياة." 

- جلال الدين الرومي.

السبت، 17 سبتمبر 2022

طقس شكر (2)

تساءلت كثيراً من قبل .. ما الذي يمنعنا عن قول الكلام الحسن لغيرنا ؟ ما الذي يحول بيننا وبين إسعاد الغير بكلماتنا ؟ ما الذي يجعل من الإطراء على أحدهم بعبارات مثل "تبدو رائعاً اليوم" أو "تمتلك ابتسامة مميزة" أمرٌ في غاية الصعوبة ويتطلب مجهودات منهكة للنفس؟
إيماني بقوة الكلمة ورسوخها في جدران الذاكرة أمر لا أنفك اكرره في كل حين، هناك كلمات تبث الحياة فينا وأخرى تدمّر ما تبقى منا، وكلها تتشارك في سمة واحدة وهي "قوة التأثير" .. الكلمات فعلاً مؤثرة !
في طقس شكري لليوم، أقدم شكري إلى من أهدتني عبارة رسمت في وجهي ابتسامة حقيقية، لتلك التي فاجأتني بكلماتها اللطيفة، وتلك التي قدّمت لي الغذاء اللفظي الذي أحتاجه في يومي، لمن قالت لي "أنتِ جميلة" في الوقت الذي لم أعتقد فيه ذلك .. في اللحظة التي لم أتوقع فيها ذلك .
لتلك الجميلة قلباً وقالباً وتلك الأخرى مثيلتها، أنتنّ الأجمل بكلماتكن التي عاشت معي حتى هذه اللحظة .. كلماتكن التي دفعتني لأكتب لكنّ هذه الكلمات التي قد لا تصل ولكنها دين عليّ وفاؤه .
ولأن في حياتنا كلمات نفيسة شقّت طريقها برقّة نحو قلوبنا، وجب أن نتخذ للشكر سبيلاً لا ينقطع، أن نقدم واجب الإمتنان دون تسويف، وأن نقابل الكلمة بكلمة أجمل منها، وجب أن نشكر الخالق ومن بعده القائل واللغة وكل ما كان سبباً في وصول هذا الأثر لدواخلنا، وأن نكون سبباً في نثر آثارمنعشة أخرى من حولنا .
أمامك فرصة الآن .. كلمة لطيفة بأثر كبير .

الاثنين، 22 أغسطس 2022

حلم من جديد

 رأيت حلماً من جديد، ولا تتوقف الأحلام عن ملاحقتي !

كان واقعياً غريباً، بعيداً قريباً، مشوش وشديد الوضوح، كان شيئاً من كل شيء بداخلي، إفرازات عقلي ومزيج من الرغبات المضغوطة بعنف داخل أحشائي، نداء مدفون قرر أن يخرج على هيئة طيف يزورني في المنام ليثبت وجوده ويرسخ أركانه .

خرجت من لساني "يا رب" من الاعماق، وكأنني أناجي الله للمرة الاولى .. والأقوى على الإطلاق، كانت مختلفة، يملؤها الرجاء ويكسوها الخشوع، ما الذي جعلني أتفوه بها أو بالأحرى ما الذي جعلها تشقّ طريقها من واسطة قلبي إلى أطراف لساني ؟ لقد كانت دعوة من أحدهم .. أمنية لطالما طلبتها من الله، أمنية أخفيتها أكثر مما أظهرتها، أمنية أسكنتها في قلبي وعانقتها، أن أعود .. أن أعود !

كنت أقول وكنت أستمع وكنت أريد أن أقول المزيد، كانت بداخلي أحاديث لا تنتهي .. أيعقل أننا نقول كل شيء لا نستطيع قوله في الواقع في أحلامنا، أيعقل أن عقولنا تسأم ويصيبها الضجر من كتماننا فتبوح على طريقتها، أيغنينا البوح سراً في المنام عن البوح الحقّ على الأرض ؟

قطع صوت الهاتف حلماً كنت أود أن يستمرّ، لتتوافد دموع من عيني حزناً على شوق لم يتم إشباعه، وحلم لم يكتمل، وواقع يعزز البعد ويذكرنا بالفراق، لينطلق تساؤل حول رأسي يقول لي : لماذا يتعلق المرء بأحلامه إلى تلك الدرجة ؟ 

ولتكون الإجابة ببساطة :

لأنها تُحدِّث عنه !

الثلاثاء، 19 يوليو 2022

طقس شكر

 في هذه الحياة كلمات لا تُنسى، تقدِّس البقاء وتصرّح كل يوم بأنها "هُنا" معنا وبيننا وبداخلنا .. ويكبر الإيمان بداخلي في كل يوم بأن الكلمات تحيا للأبد .. الكلمات اكسير الحياة .

إنني بالفعل لا أنسى كلماته البلسمية حينها، تلك التي قالها وهمّ بالمغادرة، كان يبتعد شيئاً فشيئاً وتتلاشى صورته من أمامي وتتداخل بين أكوام من البشر، كان المكان يعجّ بالفوضى كعرس غجريّ في المساء، ولكن ذلك لم يمنع عقلي من الحفاظ على هدوئه مع صوت واحد فقط بداخله .. لقد أحدثَت كلماته أصداء لم تتوقف حينها ولعلّها تطلّ عليّ من حين لآخر لتثبت وجودها الأبدي .

كان ينصحني بالتمسك بالأمل ! ما الذي أوحى إليه بإهدائي هذه الكلمات حينها .. لقد كانت هِبة لا تُضاهى .. كان لها لحن خاص وكأنني أسمعها للمرة الأولى، وكأنني لا أطعمها لنفسي في كل صباح وعند كل تجربة مريرة، وكأنني لست خليلة الأمل الفضلى وبنته، ولست تلك التي تتغزل به في بضع أسطر تعرضها للناس .. هل كانت هذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها هذه الحقيقة حقاً ؟ لا أو ربما نعم بشكل ما !

إلى صاحب الكلمات، قد تقرأ هذا النص وقد لا تفعل، قد تراه وقد يموت في عين أحدٍ آخر وقد يفقد معناه ولكن كل ما أريد قوله لك هو شكراً لكلماتك العذبة، وشكراً لكل مرة ساهمت فيها هذه الكلمات في مداواة جرح أو ترميم كسر أو رسم ابتسامة بديعة بعد دمعة، أهديك بحراً من الإمتنان وأنا أمارس طقس الشكر بكلّ حب .

والشكر من قبل ذلك كله لله الذي أسمعني تلك الكلمات على لسانك، والحمد له على عنايته التي لا تنقطع بي .

الخميس، 14 يوليو 2022

هروب

 ويستمرّ مسلسل الهروب إلى ما لا نهاية، ولكن هذه المرة تجاوز الأمر حد الهروب من المحيط بكائناته إلى الهروب من نفسي .. من حقيقتي .

أهرب من تاريخي وذكرياتي، أهرب من واقعي وأحلامي، أهرب من مسؤولياتي وفراغي .. إلى أين ؟ إلى اللاشيء أو إلى عبثية الأشياء .

إلى البعيد جداً أو إلى الأقرب إليّ .. إلى أعمق نقطة بداخلي أو إلى آخر بعد على هذا الكون .

لا مكان لـ "لماذا" .. لا مكان للسببية في هذه الحكاية .. هذه السلسلة التي لا تتوقف .. هذه السلسلة التي أفرزت لي قناعة جديدة بأن الحياة ليست إلا رحلة هروب، وأننا عالقون فيها مجبرون على مجاراتها .

لماذا نميل إلى الهروب ؟ ولماذا ينصحنا الحكيم من البشر بالمواجهة ؟

أقف بين هاتين النقطتين في منطقة العدمية، ما بين هروب ومواجهة وما بين صوتٌ قلبيّ وآخر عقليّ، لا أرجح أي كفة إنني فقط أحافظ على موقعي المتردد نفسه، بين البين، وكأنني خلقت للبقاء بين الأمور، وكأن المنتصف هو مأواي .

أتأرجح ما بين الثبات الرمادي، وما بين التشتت الأسود-الأبيض، وأحاول إيجاد المكان الامثل عند كل خطوة .

هي هكذا النفس البشرية متأرجحة، تكره الثبات وإن اختارته، فليس بيدها إلاّ اختيار الحركة أو الثبات على الحركة إذاً في كل الحالات هي لن تسكن ولن تتوقف عن الخفقان إلا بموتها .



الثلاثاء، 5 يوليو 2022

وجوه

 وجوه شتى مررت بها في حياتك .. وجوه سجلت حضوراً ووجوه توارت سريعاً .. وجوه لا تفارق مخيلتك وأخرى اختفت في براثن النسيان .. وجوه تخفي وراءها ما لا يشبهها ووجوه تحمل ألف حكاية في ملامحها .. وجوه علمتك أن هؤلاء ليسوا مجرد وجوه بل كيانات وقلوب وعقول .. قصص كاملة انضمت إلى قصتك الخاصة لتصبح مشهداً متناغماً مع مسرح أحداث حياتك أو ربما .. مجرد لا شيء !

كم من هؤلاء هم الآن معك ؟ كم من هؤلاء أحدثوا تأثيراً عليك ؟ كم منهم من نادته روحك وتلقت جواباً ؟ ليس الكثير؟ بالتأكيد !

قد يكونوا محطات وقد يكونوا سيّاح قدمواْ في رحلة سريعة إلى عمق قلبك وغادرواْ بصمت بعد تلك الرحلة المثيرة التي خاضوا غمارها.. ولكن ما هو موقعك بين هذه الوجوه ؟ 

هل أنت ذلك الزائر الذي استعجل بالرحيل ؟ أم المقيم الذي أطال المكوث قليلاً ؟ أم المستوطن الذي تعهد بالبقاء ما بقي له من العمر ؟

هل تركت أثراً بارزاً في كل من التقيت أم اكتفيت بالعبور خفيفاً كنسمة هواء يتيمة ؟

وما الجدوى من أن تكون أكثر من مجرد وجه في عالم يتمخض فيه الوجه عن ألف وجه يختبئ خلفه ؟ هل تعتقد أن أجوبة هذه الأسئلة مهمة حقاً ؟

طوال عمري اكتفيت بطرح التساؤلات لأنها في حد ذاتها تحمل اجوبة لتساؤلات أخرى، ولأن الجواب عامل متغير لا يمكن الوثوق به، لذلك كان منح الثقة أولى للسؤال لا الإجابة .. تلك التساؤلات التي لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة !

ونعود لنختم بسؤال آخر كما جرت العادة .. هل أنت أكثر من مجرد وجه ؟ 

*لا أنتظر جواباً بكل تأكيد، ولكن لك الحرية في ذلك*


الاثنين، 27 يونيو 2022

مدينتي الفاتنة

(1)

يا مدينتي الفاتنة .. إنني لا أنسى ذلك اللقاء الذي جمعني بك ذات ليلة ظلماء كنتُ فيها محمّلة بأطنان من الأشواق .. عادت الإبتسامة إلى روحي من جديد عند رؤيتي لتوهجك في تلك الليلة حالكة الظلام .. 

ذلك البريق الذي غاب عنّي لسنوات عجاف ..

كنت أسرف في التنفس كالمسعور .. و كأن حبال من النار قد أزيلت عن عنقي و أعتقتني من هلاك طاغٍ يدوس عليّ ..

أما أنتِ فكنتي غارقة في منام لطيف .. هلّا أحدثكم عن جمال محبوبتي النائمة ؟ 

عن ذلك السكون الجذاب الذي يلفّها .. تلك الأغاني السحرية الصادرة من شجيراتها المتمايلة طرباً مع أنسام السعادة .. أنسام الوطن .

...........

يا تلك الليالي .. فلتحنّي .. فلتعودي .. ألم تحركك أطنان المناداة ؟

مناداتي .. لا مناداة عتاب .. بل هي مناداة شوق خالص قد استولى على كياني و أسَر أركاني .

يا سماءاً حسناء أتأمل نجومها بكلّ هيام .. فاتنة يليق بها سوادها .. مكسوّة بلآلئ يسحر الأنفس بريقها .. هي ليال لا بأس أن تطول بل ليال لا أرغب بانقضائها .. أتمنى لو لا تعترض هذه الحكاية الشيقة نهاية تعكّر صفوها ، لأنها ليالٍ تعانقني إلى أن أغفو و أنا بين يديها الحنونتين ، هي سماء تنير عتمتها فؤادي ، و أفتتن بثباتها و سكونها و يبقى قلبي معلّقاً بين نجومها .

أما عن ابتسامة تلك السماء .. هلال يحييني من على متنها في الأعالي .

و ذات ليلة من ليالي الوطن الممتلئة بالعواطف الجيّاشة .. اختلفت حينها طقوسها فباتت أكثر تميزاً ..

لقد حلّ زائر بِسَمائي ! 

زائر لم يُطِل و ألقى تحيته ثم أسرع في الرحيل .. تساءلت حينها عمّا كانت تخبئه تلك الثواني العاجلة .. عن قصص و روايات تختبأ خلف ضيف أحاط به الغموض من كل صوب ..

و ما زلت أبحث عن إجابة شافية لتلك التساؤلات المتطفلة حتى الآن .

و لا أزال أدعو الله أن يمنحني في هذا العمر الضئيل بضع ليال أخرى أشاهد فيها سماءك من أرضك و أتنفس هواءك ، ليال أقتل فيها همي و أتمتع بمراقبة هدوءك .

يا مدينتي الفاتنة .

*هذه التدوينة مما كتبت على موقع تبويب .

السبت، 28 مايو 2022

رسالة إلى وطني .. قد لا تصل !

 تأسرني تلك التفاصيل الصغيرة التي تحتضنها بحميمية بالغة، تلك التفاصيل التي قد تكون غير مرئية للغير ولكنها لي الحياة بما فيها.. أغوص فيها وأعيشها.

كيف تعصف بي أفواج الذكريات لمجرد رائحة، نسمة هواء، نكهة، مشهد، رداء، كلمة ! كلها عناصر لا تعني شيئاً للكثير ممن يعيشون معنا، ولكنها كافية لتغرقني بوابل من المشاعر الغزيرة، مشاعر شوق وشجن، حب وأمل وكل ما هو ... لا أعلم !

في كل مرة أُسحر بنفس الطريقة.. كل يوم تلاحقني أطيافك.. وكل ليلة تستلمني الذكريات وتربّت عليّ بلطف لتواسيني .. لتمنحني بصيص أمل ووعد بلقاء قريب.. لقاء يشفي قلبي الذي أنهكه البعد .. قلبي الذي يستنشق كل شيء تكون فيه ويراك في كل شيء !

كيف يمكن أن يتغير طعم الأكل ؟ كيف يمكن أن تتغير رائحة الهواء ؟ كيف يعقل أن تتبدل الأشياء غير الأشياء في حضرتك ؟ كل شيء بداخلك مميز وكل ما هو خارجك بلا ميزة .. هل هو حقيقي أم من اختلاق عقلي ؟ هل تفرض عليّ الغربة قواعداً كونية تختلف عن تلك التي تسري على بقية البشر ؟ هل تسللت الغربة إلى أعماقي وأخمدتني لتحييني قطعة حلوى اعتدت أن أسلتذ بها وأنا أتأمل سماءك ؟ لهذه الدرجة من العمق .. بهذه الكمية من التأثير !

أصارحك.. إن ذاكرتي لا تعمل جيداً ..تكاد تكون معطوبة إلا فيما يخصك .. كل المشاهد على أرضك لا تفارقني .. أستعيدها كما هي بذات زخم اللحظة الأولى .. كأنني أعيش المشهد لأول مرة في كل مرة .. يا لك من حبيب !

لم أنسَ يا خليل قلبي .. لم أنسَ تلك اللحظات ولا يمكنني نسيانها لأن فيها أنسي في وحشتي، وذرة قرب في بعدي، وبلسم لشوقي، أتذكر ؟ كوب الشاي بجانب النهر .. قرن المثلجات قبل منتصف الليل .. الإستيقاظ مبكراً صباح العيد .. الإجتماع بالأهل والأحباب ليلة الجمعة .. الشمس المشتعلة صباحاً والهواء العليل مساءاً.. الإستلقاء والحديث مع النجوم .. رائحة المطر .. السمك على الفطور .. التزيّن لحضور حفل زفاف .. يوم الزيارات والطواف على المعارف .. المبيت في منزل جدتي .. الخروج إلى الدكان في آخر الحي .. زحمة الطريق وأزمة الأبواق .. التصبب عرقاً في كل مشوار .. الإستماع إلى الشعر ليلاً .. وإلى الأناشيد نهاراً .. البكاء عند آخر يوم لي فيك .. استرجاع كل الذكريات في تلك الساعات ومعاهدتها بأن لا يقربها النسيان يوماً ما .. فأحملها معي وأدسها في حقائبي وأمضي مودعة إياك يا وطني .. بالدموع بالأحزان .. بالإمتنان بالدعاء .. بابتسامة مؤلمة حتى لا تحزن عليّ .. حتى لا تقلق عليّ .. لأقول لك أنني بخير .. وأنني أتطلع لملاقاتك قريباً جداً .. وإن لم أعلم ما تخبءه لي الأقدار .. ولكنني سأحاول العودة بشكل ما .. بشتى الطرق .. لأن كل طرقي تؤدي إليك .. أحبك، رفقاً بي .

أوصيت زوارك من بعدي بأن يجلبوا لي شيئاً فيه بعض منك .. خرقة من الذكريات ربما.. أو أقل من ذلك، كان ذلك ظاهري وفي باطني كنت أوصيهم عليك .. أوصيهم بأن يزرعوا طرقاتك ورداً .. بأن يهدوك قبلاتي .. بأن يحفظوا لك جميلاً ..بأن ينقلوا عنك كل حسن ويذبوا عن المكاره . 

كنت أحزن على بعدي عنك، وأحزن على حزني عليك .. والآن أبكيك دمعاً في كل يوم .. أبكي طرقات قد أُسقيت بالدماء فما ارتوت .. أبكِ نهراً عليلاً تحول إلى مقبرة .. وأبكي على اليتامى وبائعي الطفولة مقابل كسرة خبز .. الطفولة تباع وتشترى في وطني .. الأرواح تفنى ويبقى الوطن .

الأحد، 15 مايو 2022

إن للعدالة ألواناً

 عندما امتزج الأصفر بالأزرق انفجر الكون تعاطفاً، طوفان من الدموع الكرتونية انطلق مكتسحاً الأرجاء، وعن أرض شرقية مقدسة تنزف كل يومٍ دماً أحمراً أشاحت الأعين وتنازلت القلوب !

عن أسوَد يعيش في أرض بيضاء ثار العالم في وجه السلطة، وعن آلاف السود في أرض السمر عميت الأبصار وصمتت الحناجر، يصرخون : "حياة السود مهمة!" ماذا عن حياة البقية ؟ أليست بذات الأهمية ؟ أليس للكل أحقية متماثلة في الحياة ؟ ماذا عن الهنود الحمر مثلاً ؟ ماذا عن العربي الأسمر ؟ ماذا عن الهندي الموحِّد ؟ تتغاضون عن كل أولئك وتتباهون بعدالة قضيتكم .. أين العدالة في انتقائية تطبيقها ؟ أين العدالة في تحديد جغرافيتها ؟ أين العدالة في حصر مسمياتها ؟ ووسط كل هذه الصيحات الضائعة تضيع حقوق وحقوق كل يوم .

لا عذراً على قساوة الخطاب فما تأتوتنه أشدّ قسوة وسوءاً .

الثلاثاء، 10 مايو 2022

الوهم هو الحياة !

غارقة في الوهم لأعمق نقطة .. لأبعد حد !
كلما حاولت استعادة شيء من اتصالي بواقعي أعود للغرق فيه من جديد بكل جوارحي، وتسألني عنه .. هو الداء والدواء معاً .. هو القمة والقاع سوية .. هو كمخدر ما إن يسري في الجسد حتى تنتشي معه دواخلي ثم ترتخي لتوقعني في شباك إدمانه بلا خلاص !
بدأ الأمر بتسلله خفية إلى داخلي، حتى هيمن على كياني وتشرّبه قلبي .
لا أريد إبعاده ولا يريد الفكاك مني .. ولكن !
أليس هذا الواقع الذي أتهرب منه هو الحقيقة التي تستوجب المواجهة، أليس البقاء هارباً هو جُبن لا ترجى عواقبه ؟ أليس هذا الواقع هو تجسيد للرتابة والسواد والنوائب والواجبات والإنهاك ؟ ألسنا نحاول التماس بذرة من أمل من ذلك السراب الزاهي بداخلنا حتى نحيي ما تبقى من أرواحنا ؟ ألسنا نجد ما بحثنا عنه سنيناً في الواقع على طبق من ذهب في الخيال ؟
وما إن نعود لواقعنا .. نعود للبحث والتخبط من جديد !
في أيهما نعيش ؟ وهل الموازنة خيار ممكن الوصول إليه ؟
أريد لحقيقتي أن تتشبع بأوهامي .. وأريد لأوهامي أن ترتدي ثوب الحقيقة .. وأريد أن أكون أنا .. و"أنا" تريدني أن أكون هي !
أصارع رغباتي وتصارعني، أحاول خفض سقفها وإخضاعها لقواعد الواقعية، وتحاول هي انتشالي من محبسي وتحريري من لجامي، وكيف السبيل إليها وكيف السبيل إلي ؟
أريد الحفاظ عليك يا عالمي .. بعيداً عن الواقع وحراً من القيود .. أريد الحفاظ على حضن أرتمي إليه لما تقسو عليّ وقائع الحياة، كحبّ تحرمه التقاليد فأبقيه سراً نزيلاً في قلبي، كمرآة أرى فيها نفسي مجدداً بعد أن اعتادت عيني رؤية الكلّ عِداي، كخلوة في مصلّاي أطرح فيها همومي وأتطهر منها .
أما أنت يا واقعي .. سألتفت إليكَ يوماً ما .. عندما تلتفت إليّ .

الخميس، 5 مايو 2022

تساؤلات قلبية

 عجيب .. إننا لا نصدُق مع من نحب إلا عندما نحسّ بقرب فقداننا لهم !

عندما نقترب من الرحيل تصبح كل المشاعر صادقة وتطلّ علينا تلك الحقيقة التي لطالما أسدلنا عليها حجاباً غليظاً يحجبها عن كل الكائنات .. لكن لماذا نفعل كل ذلك بأنفسنا ؟

لماذا أصدق المشاعر تلك التي تبين عند الوداع ؟

لماذا أصدق الكلمات تلك التي تقال بجوار الجنائز ؟

لماذا تختبئ الدموع دهراً وتظهر في تلك المواطن فقط ؟

هل الامر حقاً بهذه الصعوبة ؟ أم أن الأمر مرهون كلياً بنزعاتنا المشوهة من حصاد تلك الروادع الإجتماعية التي زُرعت بداخلنا عنوة منذ نعومة أظافرنا وصِبا قلوبنا ؟

هل نخشى على قلوبنا من الإنتهاك حقاً ؟ أم نخشى من تعرية مشاعرنا أمام الآخرين حتى لا نُصفَع بريح العار بعد ذلك ؟

هل الأمر أبسط مما نظن ؟ أم أن أذهاننا ترسم ألف مشهد ومشهد مجازي لتكسو الأمر ثوباً من العسر الذي لا يطاق .

المشاعر يا فتى لا تستحق الرجم .. لا تستحق الطمر .. لا تستحق الطمس بالتغافل .. لأن فيها حقيقتنا وكيان أرواحنا، والتنطع في التأجيل يسلبها الحياة شيئاً فشيئاً حتى تموت ليحيا مكانها شبح لا يشبهك، شبح ينتحل جسدك ويستولي على قسمات وجهك .. شبح بلا مشاعر وبلا أدنى مظاهر للحياة، شبح ميت بجسد حي .. وما أحياه إلا إماتتك لذاتك .. لحقيقتك .

لماذا لا تطلق العنان لقلبك ؟ لماذا لا تمنحه الحرية ليشعر ويحب ؟ لماذا تظل تكبحه وتبالغ في إخفاء حقيقة ما يشعر ؟ لماذا تُسكت النبض الشغوف إذا انطلق عازفاً ؟

 إن لم تصدق مع الآخر فاصدق مع نفسك على الأقل .. اعترف بمشاعرك أمام نفسك ولا تشِح بنظرك بعيداً متهاوناً .. وتذكر أنه لا خير فيمن لم يخالل نفسه، لا خير فيمن صدّ عن قلبه .

السبت، 26 مارس 2022

أما آن الأوان يا قلب ؟

أما آن الأوان يا قلب .. لتعتزل كل ما يؤذيك .. لتتوقف عن العفو عن جلاديك في كل مرة باستسلام تام .. لتتصرف بأنانية ولو لمرة واحدة في العمر .
تسعى لإرضائهم بكل ما أوتيت من مقدرة، ولست في أعينهم سوى وسيلة لنيل مبتغاهم .. لست سوى تذكرة عبور تنتهي صلاحيتها بمجرد الوصول إلى الوجهة المنشودة، وليس من حاجة لأعلمك بمآل هذه التذكرة فيما بعد !
تسرف في الكرم وكثيره مستقبح، فتقعد ملوماً محسوراً، يسهلكواْ كل ما فيك دون رحمة، وتتخبط أنت خلف ظلالهم، لست مرئياً لهم ولا حتى محسوساً، لماذا ؟ لأنك ضاءلت نفسك في كل مرة عدت فيها للإحتماء خلف ظلالهم، ولست بحاجة إليها، كلها نتائج خطاياك، فمتى ستدرك ما أنت فيه .. متى أوان اليقظة ؟
أتأملك يا قلب بلوعة، أتأمل أنقاضك وبقاياك التي خلفوها وراءهم، وأتأمل ضحكاتهم التي لا تنجلي، وأتعجب من حال هذه الدنيا وأهلها، فكيف يمتلك أولئك الذين تعدهم أنت كل الحياة حياةً أنت لست جزءاً منها ؟ كيف يستطيع المرء أن يحيا على حطام إنسان آخر، إنسان كانت خطيئته الوحيدة أنه أحبّ بصدق، وقدّم كل ما تستطيعه جوارحه في سبيل هذه المحبة، في سبيل تغذية هذا الودّ، وفي سبيل تخليد السعادة في قلوب أحبابه، وبالمقابل دهسواْ قلبه مراراً حتى كاد يُطحن، هل سيستطيع النهوض من جديد ؟ هل سيستطيع التماس فرصة أخرى، فرصة لنفسه، بعيداً عن الكل، بعيداً عن الأحياء البشرية، وقريباً من بقية الأحياء التي لا عرق بشريّ بداخلها، حتى يستطيع العودة من جديد، حتى يُشفى ويتنفس من جديد، ليعود إلى الحياة .
هل سيكون هذا آخر عهد هذا الكائن الناجي بالبشر، هل كتب أخيراً نهاية قصة اجتماعه بالبشر واختلاطه معهم، هل رسى على قراره وأسس حياةً منعزلة تخلو من الأصوات والتقاء العيون، من التلامس والتخاطر، من كل ما من شأنه أن يربطه بإنسان آخر مرة أخرى .
ولكن ..
هل سيرسل له الله بشريّ آخر غير البشر، تتجسد فيه عدالة هذا الكون، يكون في قربه أنس، وفي كلماته شفاء لعلل الصدر، وفي عينيه كل حب الدنيا و شغفها، يكون له كل الحياة، ويكون له رفيق الحياة .. هل ؟
كل متوقع آت ..
فتوقع ما تتمنى .

الاثنين، 7 مارس 2022

بعثرة : نقطة الصفر

و ابتعدت عن ذاتي كثيراً .. و عدنا كأغراب من جديد ، و لم أدرك ذلك حتى اللحظة التي فطنت فيها إلى عمق ذلك الشرخ الذي استجدّ بيننا ، بيني و بين قلبي ، فقلبي كان يهوى و كنت أنا أمتنع ، حتى صارت الفجوة بيننا تعادل ما بين المشرق و المغرب من مدى ! 
و حينها فقط تمنيت العودة ، هلعت من ماهية هذه النفس التي تتقلب و لا تبقى على حال ، تلك النفس التي تتقاذفها الأحداث يُمنة و يُسرة ، فتتشوه ملامحها و تضيع معالمها ، و أضيع أنا في متاهتها و أعلق في دوامتها ، لتعصف بي الأسئلة من كل اتجاه ؛ ذات الأسئلة التي ابتدأت بها ، و ما أكثر البدايات ، و ما أكثر السقطات التي تعيدنا إليها من جديد !
كل مرة أخال فيها أنني تقدمت أعود إلى نقطة البدء من جديد .. نقطة الـ"ماذا؟" ، و أتطلع حينها للإجابة الشافية التي تخلصني من جحيم الحيرة القاسي ، و تفرِّغ الكمّ الهائل من الأسئلة الذي يضغط على ضلوعي كجاثوم يضاهي في ثقله الجبال .
 ما أقسى أن تعود غريباً لا تفهم نفسك ، ما أقسى العودة إلى نقطة الصفر ، و ما أقسى هذه الحياة التي تنسينا أنّ بداخلنا روحٌ بحاجة إلى التفاتة .
ماذا أريد؟ ماذا أحب؟ ماذا أتمنى؟ ماذا أُبغض؟ 
من أنا ؟
كيف السبيل إليّ .. كيف ؟
لا زلت أصنع الحواجز حولي و أحيط نفسي بأسوار فارعة تحول بين قلبي و بين الغير ، و لكنني الآن فقط لاحظت أن تلك الحواجز التي صنعتها لحمايتي تعزلني الآن عن نفسي ، أدركت ذلك بعد أن أصبحت أكذب على نفسي بذات الأكاذيب التي ألقيها على الآخرين لاستجلاب الأمان ، و تيقّنت من ذلك عندما عجزت عن الإجابة عن أبسط أسئلة الذات ، و وقعت أسيرة التِيه من جديد ، و كأن روحي قد حُبِسَت في جسد ممسوخ لا يشبهها ، تُنازع جريحةً من أجل الحياة .. من أجل إلتفاتة تحييها .
عذراً لي ، عذراً لنفسي  ، عذراً لكيان ممزق و وطن مشتت .

الأحد، 13 فبراير 2022

بكينا كثيراً ثم ..

اللحظات التي تلي انفجار شلال من البكاء .. هي اللحظات الأقسى على الإطلاق .. أقسى من الغرق بطوفان الدمع .. تقع فيها في حالة أشبه ما يكون بالموت .. بل أشبه من الموت بالموت !
تتجول كروح عليلة بلا جسد .. فاقداً التواصل مع أي شيء أو أحد قد يصلك بالحياة .. لا تشعر بأي شيء .. لا رغبة و لا تفسير و لا تفكير حتى .. لا شيء سوى رأس معطوب تكاد تخرّ من ثقله .. كل شيء يأتي ثقيلاً عليك .. تنتظر عودة الحياة من جديد ربما .. أو لا تنتظر شيئاً إطلاقاً .. أنت كما أنت لا يتغير فيك شيء .. تصاب بداء الثبات لأول مرة في حياتك .. عند مماتك المؤقت ذاك .. ثابت على الجمود .. جامد على السكون .
لا حركة .. لا شعور .. لا حياة .. لا قلب ينبض .. نعم ، لا تعود لك القدرة على الإحساس بنبضك كما في السابق ، حتى ذلك الإمتياز فقدته .. ثم .. تبحث عن ماذا ؟ عن ذلك الضوء في آخر النفق .. هل هو حق ؟هل له وجود ، أم أنه هراء آخر يضاف إلى كومة الهراء التي يلقيها الوَرديّون من البشر .
لم تعهد يوماً أنك ستقع في سوداوية موحشة إلى هذا الحد أليس كذلك .. يبدو الأمر مفاجئاً ، هل هو ما يسمونه الإكتئاب .. لا تبدو متيقناً من ذلك .. إذن ما هو هذا ؟
....
أهوال النفس و ويلاتها ..
 مساكين نحن لا نستطيع الإستغناء عن ملكة الشعور فينا .. نودّ لو نطفئ الإحساس بداخلنا .. نود لو نستبدل تلك القلوب الحية بتماثيل حجرية أو معدنية .. لا تهم ماهيتها .. ما يهم هومدى صلابتها .. حتى تستطيع تحمل كل ذلك .. و هل ستستطيع !
تدفعنا أحزاننا أحياناً إلى العبث بالقلم مطولاً .. و الولوج إلى بحر اللغة مثقلين .. حتى نخرج منه عراة من كل ما يعتري أرواحنا من سقم .. لأن الورق هو خير من يستوعب أحزاننا .. و ليس سوانا من البشر .. فنحن قادرين على استيعاب أحزاننا الخاصة فقط .. و ليس أحزان غيرنا و بالتالي الأمر عينه مع الجميع.
غريب أن تجد مواساتك من غرباء لا تعرفهم .. و يوجد من يراك كل يوم و لا يلمس الألم الجليّ في عينيك .. عجيب كيف تربّت جملة من كتاب عليك بلطف .. كتاب لا تعرف عن كاتبه شيئاً سوى تلك الكلمات بين يديك .. و لكنه استطاع بشكل ما أن يفضح مكنونات قلبك على تلك الأوراق .. أو ربما فرد في مكان ما أبعد ما يكون عنك .. و خلف شاشة إلكترونية .. تشعر و كأنكما التقيتما في الشعور .. توأم في الهموم و أصدقاء في المواساة .. و لكن بلا اتصال واقعي .. عجيب!
عجيب كيف يرسل الله لك مواساتك من مصادر و أماكن لم تخطر على بالك يوماً .. جميل كيف يمسح على قلبك و يسخر الكون لمداواتك .. و الأجمل هو التجدد من جديد .. الحياة بعد الموت .. و الولادة بعد الفناء .. كل ذلك يستحق أن تشكر الله عليه في كل صباح يُمنح لك .. حافظ على ذلك .
لست أكتب هنا كي أُحزِن قلبك الرقيق .. أنا هنا لأكتب ما يراودني لعلك تجد فيه بعضاً مِنك أو كُلّك .. لعله يكون مواساتك و تسليتك .