الثلاثاء، 31 يناير 2023

خربشات

 أشعر أنه ممتلئ .. رأسي !

ممتلئ بالفراغ، بالنصف من كل شيء، بالحوارات المبتورة والأسئلة اليتيمة، أقرأ الكلمات فلا تمرّ ولا تُفسّر، أسمع الأصوات فتتلاشى بصمت كأن لم تكن، وكأن الوجود بأكمله سراب ولا حقيقة سوى تلك المتاهات في عقلي، أستنزف القلم وأمتن لإمتناعه عن الشكوى، فلو كان بشراً لاختار الفرار بلا عودة، ألتقيه في موعدنا المعتاد، في ثلاثية الليل والقلب والقلم، وأنا بينهم وفي أعماقهم أحاول التحرر .. لعلّي أتفكك إلى ذرات تشق طريقها نحو السماء، لعلّي أتحول إلى قطرة ماء، أو نحلة تكرر روتينها بذات الدافعية كل يوم .. دون أن تفكر .. دون أن تقلق .. دون أن تخشى .

 إن الإنسان ظاهرة غريبة .. يتبنى التفكير في كل شيء، في الماضي وفي الآتي، في البعيد والقريب، فيه وفي غيره، ولا شيء يلتهمه سوى التفكير، وهل باستطاعته التوقف قط ؟ لا .

يالصعوبة ذلك .. أن تكون إنساناً !


الأربعاء، 25 يناير 2023

طقس شكر (3)

طقس شكرٍ وصل متأخراً، ولكن لا بدّ منه، إنني هنا لأرسل وابلاً من الشكر إلى من كانواْ بلسماً وقت الحاجة، إلى من كانواْ كضمادة وُضِعت على جرح انهمر نزفُه فاكتفى .. رغم كل شيء .

 أشتت امتناني عليهم جميعاً لعلّي أصل إليهم هذه المرة .. 

في محاولات شكري السابقة، لم أبذل الجهد للوصول إلى أصحاب تلك المواقف والأحاديث، ولكنني ركّبت الكلمات ووضعت حروف أسمائهم بين السطور، بين النَّفَس والنبضة والكلمة، وهنا أعاود الكرّة، لأقول لكم عامةً ولتصل قارئها خاصةً، شكراً يا من كنت لطفاً من الله عليّ، شكراً يا من لم تبخل بكلماتك الباعثة بالحياة، شكراً يا من قاسمتني حزني، وشكراً يا من رسمت ابتسامة كانت كينبوع انفجر وسط صحراء منهكة من اليَبَاس، شكراً على ذلك الشيء البسيط الذي لا تذكره، وشكراً لأنك تذكرتني يوماً ما .

شكراً لكم جميعاً .

وفي نهاية كل طقس شكر أتعلم أن أشكر الله على القلوب التي تحفّني، على الكلمات التي تصاحبني، على المواقف التي تحتضنني، وعلى كل خير ساقه إليّ، وعلى القدر خيره وشره وما ظننته شراً وباطنه خيراً كثيراً .

الأربعاء، 18 يناير 2023

رسائل (2) : التعجب عنوان المرحلة

 التعجب هو عنوان المرحلة .. إنني في النقطة التي أتساءل فيها عن كل شيء .. تشدّني كل تفصيلة لتقحمني في دوامة من التحليل .. أتعجب من كل شيء .. من التزامنات والمصادفات .. المصادفات التي لم أؤمن بها يوماً ولم أمنحها القدر الكافي من الثقة .. انها تسيطر الآن على حياتي على النحو الذي ينهش لحم رأسي بالتفاسير المتداخلة .. لأعود إلى نقطة التساؤلات اليتيمة .. التي تعيش بلا أجوبة، ولكن جوابها قد يقتلها، قد يسرق بريقها ويجرّدها من الهالة التي تضمها .

حياة بلا تساؤلات، حياة لا تعاش .. هذا ما أؤمن به، ولكن من مكامن بشريتي السعي نحو الأجوبة، ومن حكمة الله أن الجواب لا يأتي إلا في وقته الصحيح .. اختيارات الله مثالية دائماً .. وأبصارنا أقصر من أن ترى المثالية .. لذلك أبقى حائرة .. ما بين إلحاح السؤال ورغبة الإجابة، وترك الجواب يأتي على النحو الذي اختاره الله له .. وقد لا يأتي أيضاً !

وفي كل الحالات لا يهدأ عقلي .. فالأفكار عدوة الإنسان .. يصبح التفكير في بعض الأحيان كالمجزرة .. يستنزف كل ما يضمه جسدي من مقومات الحياة .. يتغذى عليه، ثم يلقي به كقمامة على الطريق .. وأعود ذلك الكائن المنهك الذي يأوي إلى فراشه آملاً أن يستريح من معارك مستعرة كادت أن تودي به .. في دماغه !

الأحد، 15 يناير 2023

رسائل (1) : بيني وبين الحياة .. موت

"مقتطعة"

في كل مرة يحط فيها الموت على حياتي .. في كل مرة أفقد فيها أحداً، أشعر وكأنني فقدت سبباً آخر من أسباب الحياة، وكأن شيئاً ما كان يدفعني للعيش ومواصلة الحياة قد غادرني مع فقيدي، أفقد تلك الرغبة بالأشياء التي تعني لي الحياة، أفقد القدرة على تمييز الألوان، على استطعام النكهات، يصبح الغذاء ومشتقاته كالعلقم، حتى القهوة تصبح أكثر مرارة .

يعيد الموت برمجتي وترتيبي، يسحب المعنى من حياتي .. ذلك الذي توهمت بأنه المعنى، ويعيدني إلى المعيار الأم، إلى المنشأ والجوهر، إلى البداية والنهاية، من القوة الهجينة إلى عمق الضعف الأصيل أمام قوة الله وعظمته، ومن الغفلة إلى التهافت للإحتماء تحت ظل رحمته سبحانه وفقط .

سأكتب عن الموت مراراً وتكراراً .. الموت الذي نفر منه ونعلم أنه ملاقينا، حتى إذا ما فررت منه يوماً أو واجهته بالتناسي، وجدته بين سطوري، بين ذكرياتي، بين أوراقي وأقلامي، بين أحلامي وكوابيسي .. بيني وبين الحياة .

الأربعاء، 4 يناير 2023

استفت قلبك

يقول أحدهم أن الغياب شكل من أشكال الحضور، وأقول أن في الغياب مضاعفة للحضور، بل إن الحضور لا يتحقق بالمطلق بدون تسلل الغياب إلى واقعنا، فكيف يراودنا طيف الغائب في الخيال، ولا يفارقنا في المنام، ويظل يطل علينا على الدوام ؟

لماذا أؤمن بالشعور ؟ لماذا أمنحه الأولوية القصوى في فصول حياتي ؟ و أظلّ أدوّن الخطابات والعبارات عنه .. أذكّر الناس به وبضرورة استحواذه .

يقولون لا تبالغ في الشعور.. لا تنغمس في أعماقه كي لا تخسر نفسك، وأردّ : بل إن السقوط في عمق المشاعر فيه ربح لنفسك وفوز بمعرفتها وتقديرها .. الوصول إلى جوهر المشاعر ليس مبالغة أو إسراف، بل هو عمق معرفة النفس وصحبتها، فيه إقرار منك بصدقها وبروز وجودها، فيها إشاعة منك لتقديرك لها، واختيارك بأن تعيشها بتفاصيلها وشموليتها، إن المشاعر لا تموت بالهروب منها والتغافل عن وجودها، بل تظل تشدّ سواعدها لتحكم قبضتها على قلبك، هي لا تختفي ولا تندثر وفق رغباتنا، هي تعاش وبالقدر الذي ينبغي لها أن تعاش به .

ولست ملزمة بتبرير عمق الشعور ونفي المبالغة عني وعنه، إذا أحببت سأحبّ حباً عميقاً، وإذا اشتقت سأشتاق بملء جوارحي، وإذا حزنت فسأعيش حزني كاملاً دون أبتره، لأنني ومن جديد أؤكد على إنسانيتي، من أنت لتستجوبها ؟

وأخيراً كل الكلام قد قيل في : 

"استفت قلبك"