السبت، 26 مارس 2022

أما آن الأوان يا قلب ؟

أما آن الأوان يا قلب .. لتعتزل كل ما يؤذيك .. لتتوقف عن العفو عن جلاديك في كل مرة باستسلام تام .. لتتصرف بأنانية ولو لمرة واحدة في العمر .
تسعى لإرضائهم بكل ما أوتيت من مقدرة، ولست في أعينهم سوى وسيلة لنيل مبتغاهم .. لست سوى تذكرة عبور تنتهي صلاحيتها بمجرد الوصول إلى الوجهة المنشودة، وليس من حاجة لأعلمك بمآل هذه التذكرة فيما بعد !
تسرف في الكرم وكثيره مستقبح، فتقعد ملوماً محسوراً، يسهلكواْ كل ما فيك دون رحمة، وتتخبط أنت خلف ظلالهم، لست مرئياً لهم ولا حتى محسوساً، لماذا ؟ لأنك ضاءلت نفسك في كل مرة عدت فيها للإحتماء خلف ظلالهم، ولست بحاجة إليها، كلها نتائج خطاياك، فمتى ستدرك ما أنت فيه .. متى أوان اليقظة ؟
أتأملك يا قلب بلوعة، أتأمل أنقاضك وبقاياك التي خلفوها وراءهم، وأتأمل ضحكاتهم التي لا تنجلي، وأتعجب من حال هذه الدنيا وأهلها، فكيف يمتلك أولئك الذين تعدهم أنت كل الحياة حياةً أنت لست جزءاً منها ؟ كيف يستطيع المرء أن يحيا على حطام إنسان آخر، إنسان كانت خطيئته الوحيدة أنه أحبّ بصدق، وقدّم كل ما تستطيعه جوارحه في سبيل هذه المحبة، في سبيل تغذية هذا الودّ، وفي سبيل تخليد السعادة في قلوب أحبابه، وبالمقابل دهسواْ قلبه مراراً حتى كاد يُطحن، هل سيستطيع النهوض من جديد ؟ هل سيستطيع التماس فرصة أخرى، فرصة لنفسه، بعيداً عن الكل، بعيداً عن الأحياء البشرية، وقريباً من بقية الأحياء التي لا عرق بشريّ بداخلها، حتى يستطيع العودة من جديد، حتى يُشفى ويتنفس من جديد، ليعود إلى الحياة .
هل سيكون هذا آخر عهد هذا الكائن الناجي بالبشر، هل كتب أخيراً نهاية قصة اجتماعه بالبشر واختلاطه معهم، هل رسى على قراره وأسس حياةً منعزلة تخلو من الأصوات والتقاء العيون، من التلامس والتخاطر، من كل ما من شأنه أن يربطه بإنسان آخر مرة أخرى .
ولكن ..
هل سيرسل له الله بشريّ آخر غير البشر، تتجسد فيه عدالة هذا الكون، يكون في قربه أنس، وفي كلماته شفاء لعلل الصدر، وفي عينيه كل حب الدنيا و شغفها، يكون له كل الحياة، ويكون له رفيق الحياة .. هل ؟
كل متوقع آت ..
فتوقع ما تتمنى .

الاثنين، 7 مارس 2022

بعثرة : نقطة الصفر

و ابتعدت عن ذاتي كثيراً .. و عدنا كأغراب من جديد ، و لم أدرك ذلك حتى اللحظة التي فطنت فيها إلى عمق ذلك الشرخ الذي استجدّ بيننا ، بيني و بين قلبي ، فقلبي كان يهوى و كنت أنا أمتنع ، حتى صارت الفجوة بيننا تعادل ما بين المشرق و المغرب من مدى ! 
و حينها فقط تمنيت العودة ، هلعت من ماهية هذه النفس التي تتقلب و لا تبقى على حال ، تلك النفس التي تتقاذفها الأحداث يُمنة و يُسرة ، فتتشوه ملامحها و تضيع معالمها ، و أضيع أنا في متاهتها و أعلق في دوامتها ، لتعصف بي الأسئلة من كل اتجاه ؛ ذات الأسئلة التي ابتدأت بها ، و ما أكثر البدايات ، و ما أكثر السقطات التي تعيدنا إليها من جديد !
كل مرة أخال فيها أنني تقدمت أعود إلى نقطة البدء من جديد .. نقطة الـ"ماذا؟" ، و أتطلع حينها للإجابة الشافية التي تخلصني من جحيم الحيرة القاسي ، و تفرِّغ الكمّ الهائل من الأسئلة الذي يضغط على ضلوعي كجاثوم يضاهي في ثقله الجبال .
 ما أقسى أن تعود غريباً لا تفهم نفسك ، ما أقسى العودة إلى نقطة الصفر ، و ما أقسى هذه الحياة التي تنسينا أنّ بداخلنا روحٌ بحاجة إلى التفاتة .
ماذا أريد؟ ماذا أحب؟ ماذا أتمنى؟ ماذا أُبغض؟ 
من أنا ؟
كيف السبيل إليّ .. كيف ؟
لا زلت أصنع الحواجز حولي و أحيط نفسي بأسوار فارعة تحول بين قلبي و بين الغير ، و لكنني الآن فقط لاحظت أن تلك الحواجز التي صنعتها لحمايتي تعزلني الآن عن نفسي ، أدركت ذلك بعد أن أصبحت أكذب على نفسي بذات الأكاذيب التي ألقيها على الآخرين لاستجلاب الأمان ، و تيقّنت من ذلك عندما عجزت عن الإجابة عن أبسط أسئلة الذات ، و وقعت أسيرة التِيه من جديد ، و كأن روحي قد حُبِسَت في جسد ممسوخ لا يشبهها ، تُنازع جريحةً من أجل الحياة .. من أجل إلتفاتة تحييها .
عذراً لي ، عذراً لنفسي  ، عذراً لكيان ممزق و وطن مشتت .