الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

التاريخ .

 

نشعر في لحظات أن التاريخ يشبعنا ألماً .. و لكن يجب أن نعي تماماً ارتباطنا بكل مكوناته ، فهذا التاريخ الذي طوينا صفحته آبين نسيانه أو راغبين بلا مقدرة ، هو صانع حاضرنا و مرآة مستقبلنا ، و هو ماضٍ ملازمٌ لنا ، هو تاريخ في طريقه لكتابة تاريخ جديد ، يستعين به زعماء ٌ أحياناً لإعادة تطبيقه من جديد ، و يعيد السلوك البشري نسخ نفسه كما عهدناه من الأولين ، و يحاول بعض المتربصين طمسه ، أو تزييفه في أحيان نادرة ، هم مجرد لصوص أرقام ليس بيدهم إلا اقتياد بعض العُمي إلى سطورهم الوهمية و جرّهم إلى بوابة التبعية المليئة بالقذارة .

هو التاريخ .. يكاد يكون قضيتنا الكبرى و لكن من وراء حجاب ، لا يقربه قصيرو الخطى و محدودو الرؤى ، بل يتطلب الأمر شجاعة و إقدام حتى تنال رشفة من رحيق حقيقته ، هو أسطورة كحجر الفلاسفة .. و قصة كألف ليلة و ليلة ، به قداسة يُفني المرء لأجلها حياته طلباً للعلم النزيه في حضرته ، و يجاهد نفسه من أجل أرقام ، أحداث ، و أوراق مكوّمةٍ .. من أجل الحقيقة لا غير .. لا مبدِّل لها بمشيئة الله .

كل شيء يدور في نفس الدائرة .. و كله يتكرر من جديد .. حتى ما ظننا أننا لم نألفه نكتشف بعد تبحّر بسيط في كتب الأقدمين أن من سبقونا في الحياة قد عايشوه تماماً كما نعايشه نحن الآن و هكذا الكون يجري .. بمعدل ثابت ، و يبقى المتغير الوحيد هو الإنسان نفسه ، الذي كثيراً ما يختار استنساخ معاناة السابقين دون استقاء الحكم منها .

هذه هي حكاية الزمان ..

و هكذا يدور كل شيء في عالمنا .

السبت، 25 سبتمبر 2021

رسالة أخرى من البحر ..

 


جمعني بالبحر و اهداني قلم ، لأبدأ ابحاري في محيط اللغة الذي لا ينضب ، لترتوي روحي بنشوتها و تستلهم من حيويتها ، لتنتحل شخصية لم تألفها من قبل ، و تعيش أحداثاً لم تصادفها قبلاً ، لترسم من خيوط متشابكة في عمق ذهنها ، سبلاً فجاجاً ، تستنير بها .



تلك الروح .. تعشق البحر بتفاصيله ، و تستكين له لما يراودها ، و تبسم له حينما يناديها ، ثم تمسك بالقلم تراقصه بخفة ، حتى ترتاح ، ففي رقصة القلم لا تعبٌ و لا إنهاك ، هناك تكمن راحة فقط ، مستراح لنفس خدّشتها مخالب الحياة و أهلكتها عواصفها .



في هدوء البحر ليلاً .. أستحضر مخاوفي لأتحداها ، يعلمني شديدُ موجِه كيف أواجه ينابيع قلقي و براثن تعاستي ، كيف أتعايش مع تلك البقعة السوداء التي بداخلي إن لم أملك الإستطاعة لإشعالها نوراً .

سأعيش بيقيني أنني أستطيع أن أضيء طريقي متأقلمةً مع عتمة قلبي الصغيرة ، و سأزور البحر حيناً و عدة أحيان ، فإرتباطي به لن يُقطع ، كصدفة لم تفارق موطنها البارد حتى الممات ، تحب هديره الطروب ، عنفه و هدوءه ، و ملوحته و رطوبته و كل ما يخصه .