السبت، 25 فبراير 2023

طقس شكر 4

هو شكر أستهدف به كل اللحظات الصغيرة .. الإهداءات الفجائية .. والكلمات اللطيفة .. والإطراءات المجزية، تلك المواقف البسيطة التي قد لا تعني لأحدهم الكثير، ليست أكثر من قطعة حلوى فككها الجسم إلى جزيئات، أو كلمة زال مفعولها سريعاً، أو ابتسامة دامت لثوانٍ ثم تلاشت كأن لم تكن، ولكنها لي كانت وقوداً ليوم بأكمله، أوعناقاً دافئاً لذلك القلب الذي يرفرف وحيداً بعدما أنهكته الليالي الطوال والنهارات الثقيلة، شكر جامع لتلك وتلك .. اللاتي جئن في اللحظة المناسبة كي يؤكدن لي أن ابتسامتي تستحق فرصة أخرى للظهور من جديد، أو ربما مكافأة على معروف لا أدري ما هو .

لطالما آمنت بمثل هذه اللحظات والمواقف العابرة .. بل إنني أعوّل عليها وأثق بقوتها، هي قوت الروح، فيها ملاطفة للنفس ودغدغة للذاكرة بل تمرد عليها، تمرّد على تقاليدها ومفاضلاتها المجحفة، أحب كيف تشق طريقها بكل صلابة لتحجز مكاناً في الذاكرة وتتلقى استحقاق الإمتنان، وبكل ما فيها من قوة تراها تربت عليّ بكل رقة على مدار اليوم، فتجعلني أعشق التكرار لأول مرة بسطوتها .

ربما هي تلك الفراشة التي لطالما حدثونا عنها ..

 ياله من قلب، معلق بين جناحيّ فراشة !

الأربعاء، 15 فبراير 2023

مصيدة الذاكرة

 كم تبدو انتقامية أحياناً، كعقاب يجريه العقل علينا، على ما اقترفنا وما لم نقترف، دقيقة فيما لا نود حضوره، عقيمة فيما نتوق لاستحضاره .

أما ذلك العقل .. منشأها و قائدها، ولو أنه في موقع الحساب منفرداً لوجب عليه أن يبرأ إلى الله مما يفعله بنا، ولكنه جزء منا، بل هو نحن، ونحن نلكم أنفسنا مراراً، نوجه إلينا الصفعات، كمعركة حامية الوطيس، لا تكاد تهدأ حتى تستعر من جديد، المعركة التي لا استراحة محارب فيها !

أرويته عتباً أغرقته عذلاً ولكن ما من استجابة.

 ألا تتعب الذاكرة .. ألا تهدأ .. ألا تنتقي ما نحب وتذب عما نكره ؟ ولكنها ذاكرة الألم هي من تحركنا، تربينا، هي التي تصنع الإنسان الحقيقي وتغذي الشعور الصادق .. ضرورية مؤلمة، حاجة مهلكة .

وما لنا سوى التأقلم والإنسجام .. بحكمة .


الاثنين، 13 فبراير 2023

مأساة الشعور مجدداً

 يا له من مأساة .. الشعور وسخاءه !

ما به يتضاعف بهذا الشكل ؟ هل هذه الدنيا تثقل أكثر فأكثر أم أنه يشق طريقه نحو التفاقم غير الطبيعي ؟

ليس من باب واحد بل من كل أبوابه، حتى ما عاد من الممكن الوصول إلى آخره .. إلى الأكيد منه، وكأنه تيه على تيه .

يبقى البشري يرتحل من نصف سعادة إلى نصف حزن، من ربع طمأنينة إلى ثلاثة أمثاله خوف، ثلث ندم وثلثين رضا، نسب تتبدل وتتحرك، تأبى الثبات كما هو الحال مع كل شيء، معادلة بلا نتيجة ولكنها بألف سطر أو تزيد .

تراه يبحث عن شيء في كل شيء .. لا يكتفي وكأن الإكتفاء قد اُنتِزع من قاموسه، يبحث عن الإجابة في السؤال وعن السؤال في الإجابة، يحاول الوصول إلى شكلٍ لفلسفته ثم يختار العودة إلى عبثيته، كيف يعيش عبثاً هكذا ؟ بل كيف يعيش أصلاً ؟