إن البحر آية كونية تطيب لها الأنفس و تميل اليها .. تنطلق من أعماقه سيمفونية فاتنة ، و تهيج له معان فلسفية عميقة ، و يشكل لحظات من الارتخاء بالغة الضرورة لإنسان بسيط جاء يتخذ من موجه و رماله استراحة نهارٍ لروحه المنهكة الضجرة .
و حينما تتعامد الشمس مع أجسادنا و ينتشر عنفوانها الأثيري في عروقنا .. لا تسمع أذناي سوى صوت الطبيعة الغنّاء تلهج بالتسبيح لخالقها على لسان كل مفرداتها ، و طيور مهاجرة تنشد ألحاناً تتمايل لها شجيرات الصبا طرباً ، هو عالمٌ لا يعرف الإضطراب ، عالمٌ متحيز لي فقط ، و لا أرى سواه بمقلتي المتلذذتان بسحره الخلاب ، تضحك لي نسائم الأصيل عندما أحييها ، تتصاعد أمنياتي مع كل أنفاسي فتهيم السحاب بها و تمنحها عناقاً دافئاً و ترجعها إلى حيث أودع أحاديثي و دواخلي .. إلى البحر .. حيث أنتمي .
أما عندما يسدل الغروب رداءه الزاهي مترفعاً في وسامة طاغية ، و تشيح بوجهها أمواج البحر في خجلٍ في محفل لوداع شمس الكون في فصل لا بدّ من اكتماله في هذه الحكاية .
هي لحظات و دقائق و ساعات لطالما استولت على عيون البشر و عقولهم ، و استنطقت أقلام شعراءنا غزلاً في محاسنها .
أناسٌ لا يحبون الرحيل و لكنهم لرحيلك يودّعون مبتسمين ، و يذكرون الله خالقكِ و خالقهم بمهابة و خشوع يلفّهم كما تلتف أثواب ملونة حول السماء في مشهد يظل يأسرنا بحذاقة في كل مرة .
و في وداع البحر نأخذ من بعضه صدفات تحمل أصوات موجه ، نحتفظ بها حتى تعيش معنا يا بحر في كل ثانية و نطلق سلاماً يجوب ليصل إلى كل سكان أعماقك الآمنين ،
سلاماً يا بحر يا موطني .