الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

فضفضة : مرحبا بك في دنيانا !

 في لحظة خانقة من الزمان .. أود فيها أن أهرب بعيداً .. إلى الجبال ربما أو السماوات .. إلى أبعد نقطة ممكنة ، لأتحرر من كل شيء . و في لحظة أتملص فيها من كل مسؤولياتي المضطربة و من كل عذر يقوّض حريتي ، لأعتنق التنفس من جديد ، لأكون أنا ، و أكون أنا كل شيء ، لأهذي و أكتب و أدندن ، أو لأمارس الصمت بلا هوادة ، لأختلي بروحي اليتيمة و أعطيها الأبوة و الأمومة ، لتجمعني المؤاخاة مع أوراق الشجر ، مع قطرات المطر ، مع ذرات الرمل ، و لأحلق مع السحاب بعيداً عن أي مما يخص البشر .

أما في واقعي ، فينتشلني الخيال في كل مرة تكاد تغرقني الحوادث ، يساعدني على التعافي شيئاً فشيئاً ، يسافر بي إلى أرض الوطن و الجنان العلى ، يجمعني بمن أحب ، و يقحمني في رواية أكون أحد شخوصها أو جلّهم ، لأجسد ملحمة أخرى تختلف عن تلك التي أزاولها على أرض الواقع .

يراودني تساؤل عميق .. لماذا نتوق للوصول إلى الحقيقة و التنقيب عنها في حين ، و نودّ الهروب منها و التخلص من أغلالها في حين آخر ؟ حقاً لماذا ؟

لماذا نعيش حياتان و نضيع بينهما ؟ لماذا نستدعي الماضي و نسمح له باستدعائنا في كثير من الأوقات ، حتى ندرك عنوة أننا نهدر حاضرنا بلا حق و لا حد .

نحارب من أجل قضايانا ، و نسقط في فوضوية المشاعر و نعلق في ضبابية المشهد ، و نتطلع كل يوم إلى مستقبل أكثر وضوحاً و أقل ضرراً .

نقع ضحية سوء فهم و تقدير ، و نستمر بلوم من هم حولنا على عدم فهمهم لنا ، في حين أننا نحن عاجزون عن فهم أنفسنا بدقة ، فتارة نجد أنفسنا في آية أو عبارة أو في كلمات لأغنية أو بيت شعري عابر ، أو ربما نجد أنفسنا في عيون أحدهم أو صوته ، و ربما نظل نبحث عنها حتى ينقضي بنا العمر و لم تنقضي هذه المهمة بعد .

و نعيش في زمن نغبط فيه الأموات و نتمنى حالهم ، و لكننا رغم ذلك صامدون .. نتمسك بالصبر بشدة و نعلم أن الخاسر هو من أفلته للحظة ، لذلك نبقى و نستمر أياماً إضافية على متن هذه الحياة ، و نستمد القوة من كل ما منحنا إياه ربنا من سبل .

مرحباً بك في دنيانا !

السبت، 13 نوفمبر 2021

تأملات في الموت

 عجيبٌ هو أمر الحياة .. و الأعجب هو الموت !

الموت الذي ربما يطاردك شبحه بضع مرات خلال يومك و نومك ، أو يتكرر عليك ذكره كثيراً من الأحيان ، تدفعه من رأسك دوماً بحجة انخراطك في أمور محياك ، و تدفعك الحياة في مرحلة ما من الطريق إلى تمنيه كراحة طويلة الأمد ، و تخال نفسك ربما أنك في أتمّ جاهزيتك لإستقباله ، و إن ما لوّح لك إذ أنت مذعور لا استعداد لك لملاقاته ، هناك من فكّر فيه مراراً ، و خطفه في لحظة غفل عقله فيها عنه .

أمور متناقضات متشابهات ، و يبقى الموت مصيراً مجهولاً في أذهاننا ، لا نعلم أوانه و لا كيفيته ولا حتى ماهيته ، لا نعلم الكثير عنه إلا ما ذكره لنا ربنا في محكم تنزيله ،  مرتبط بمعان مظلمة و مشاعر عبوسة ، المصير الأوحد الذي يجمع كل البشر.

ماذا يعني .. أن نموت ؟ 

أن نُفقَد .. أن ننتهي .. أن يفنى ذكرنا .. أن يغيّم الشجن حول أجسادنا البالية و تمطر سماؤه دموعاً دافئة .. أن تصبح الأرض موطناً يحتضن ما تبقى منا إلى ما هو آت .. أن نقترب من الوصول شيئاً فشيئاً لوجهتنا الأبدية .. إما جنة أو نار .

أما عن أحوال الدنيا بعدنا ، فسنصبح صورة معلقة على حائط الذكريات ، تلك الذكريات التي أسرتنا و اغتالتنا في لحظات عدة من حياتنا ، تلك التي تمنينا أن تعتقنا يوماً ما حتى نمنا و نحن نلعنها ، أو تلك التي نتوق بشدة إلى استعادة شيئٍ من أثيرها ، سنصبح جزءاً منها لأحد آخر ، أحدهم سيتذكرنا في لحظات عابرة و يحتضننا بدعائه ، و كثيرهم ستنسيهم الحياة ذكرنا ، ستُمحَى من ذاكرتهم أيامنا معهم ، أحاديثنا ، مشاويرنا و جولاتنا ، و آخرون لن نغيب عن بالهم ، سنبقى بقعة شوق و حزن بداخلهم صعبٌ زوالها .

عجباً لزماننا .. ما أكثر أخبار الموت من حولنا .. أحدهم يمسنا و الآخر لا صلة له بنا .. تتهافت الأخبار تلو بعضها حتى صرنا نألفها .. و كأنها جزء من يومنا ، أو قسم أساسي من أحاديثنا ، بل إننا أضحينا نرقب دورنا الذي يقترب في كل يوم مقدار خطوة .. و هل على هذه الأرض ما يستحق الحياة بعد الآن .. أوطان تحرق .. خبز يسرق .

تجري عقارب الساعة سراعى و نلاحقها لاهثين ، أيسرقنا الزمان و نحن صفر على اليمين و على الشمال !

أيجمعنا الزمان مع الصحاب يوماً قبل فوات الأوان .. أو أنه لا أمل إلا أن تلتقي أرواحنا بعد الرحيل ؟

يقال أننا في الجنة سنلقى الأهل و الصحاب .. فيارب هل لنا مكان فيها ؟

يا من خلقتنا و علمتنا الحب .. يا من جعلت التعلق فينا فطرة .. هل من سبيل إلى من تهوى قلوبنا ؟ أم نلقاهم برفقة رسولنا و نور قلوبنا .. في جنة النعيم بإذن كريم منك يا ذو الجلال و الإكرام .

هل سيأتي علي يوم أرى فيه الوطن و أبتسم ابتسامة كاملة الأركان لا زيف فيها و لا اصطناع ؟

أم أنني مكتوب علي الفراق قبل أن أعيش ذلك الحلم !

هل تجعل منا هذه التساؤلات أشخاصاً أكثر جاهزية للموت .. أم أنها تنفرنا منه و تنسينا إياه ؟

و لأنه لا ضمان في دنيانا .. استودعتك ربي حين موتي أن لا تقبضني إليك إلا و أنت راضٍ عني و اجعل لي فيه راحة من كل شر و اجعل آخر كلماتي توحيداً لك و تعظيماً لشأنك .

و هوّن على الأحبة فراقي .. فإنه عليّ هين .. لإن ألقاك ربي أحب إلي من ألف حياة و دنيا زائلة .

الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

صرخة

صرخت منادية اياه : " يا بني ، لا تنسى أن تشرب الكثير من الماء ، لقد وضعت لك شطيرة في الجيب الأصغر من الحقيبة ، إلى اللقاء"

ودعته بعد أن طبعت على جبينه قبلة متناهية الرقة و الحب و الفخر بصغيرها الذي سيخطو أول خطوة بمفرده إلى طريق العلم و الدراسة ، ودعته و لم تكن تعلم ماهية وداعها ، و لم تشعر بأي معنى آخر لهذا الوداع سوى أنه باعث للسرور في نفسها ، و مضت تهنئ نفسها على نجاحٍ آخر مستحقٍ في اختبار أمومتها ، فقد أرسلت ابنها الوحيد إلى مقاعد الدراسة ليلتحق ببقية الأطفال من بني سنه ، و لتحظى نحلتها الصغيرة برشفة من رحيق المعرفة ، هذا ما خالته على الأقل .. فالقدر لا يسأل عن دواخلنا و لا يمضي بها ، القدر مكتوب لنا على نحو لا نتوقعه و لا نستطيع تخمينه .. و هذا هو ضعفنا الكبير و عجزنا الأكبر .

و بعد سويعات من الشوق ، اكتمل تجهيز غداء أول يوم دراسي و الذي حضرته بشغف و هي تنتظر أن يطرق الباب في أي لحظة ، ذلك الطفل الضئيل الذي لا تصل يداه إلى الجرس ، و لكنه تأخر كثيراً .. انتظرت .. لربما واجهوا مشكلة في الحافلة ، لربما تم اضافة حصة دراسية أخرى إلى الجدول المدرسي ، بدأ قلبها يخفق بسرعة ، و بدأت قطرات العرق تتساقط من جبينها بلا توقف حتى ذبلت ، حاولت الوصول إلى من يصلها بابنها من جديد ، لم تترك الهاتف لوهلة و هي تضغط على تلك الشاشة بعنف ثم تضعها على أذنها لعلها تحصل على إجابة يطمئن بها قلبها ، و لكن ما من مجيب ، واقفة أمام منزلها ترقب الطريق بقلق و كل ما فيها يرتجف ، ماذا حدث يا ترى ؟ لم يكن هذا ما خططت له ، لأن لا شيء على هذه الأرض محكوم بتخطيطنا له إنما هي مشيئة الله تسيّر كل شيء .

سكن قلبها رعب من أن لا تتمكن من رؤية صغيرها من جديد ، ساقتها قدماها إلى المدرسة التي تبعد كيلومترات عن منزلها ، تلهث من العطش و الخوف ينهش روحها و ما إن وصلت شاهدت منظراً تمنت لو أن روحها قبضت قبل أن تراه ، فتلك المدرسة التي استعدت بأبهى حلة لإستقبال ضحكات الغلمان ، قد أضحت الآن مقبرة في قلبها جثث دامية ، و أحلام متساقطة ، مستقبل تم نهشه بلا رحمة ، عندما حلت لم تجد صغيرها بل وجدت بقاياه ، و كأن روحها رحلت من هذه الدنيا الفانية و لم يتبق منها سوى هذا الجسد الذي لا يقوى على حملها بعد الآن ، فقدت شغفها ، روحها ، قلبها ، ابتسامتها ، طمأنينتها ، من بعد الآن لا شيء كالسابق ، من بعد الآن قد ألقي السواد عليها فهي الآن في مأتم لانهاية له  ، لا سبيل فيه للسعادة .. فقط حزن و بكاء و عويل و لا شيء آخر .

أطلقت صرخة استنزفت كل قواها و خرّت ساقطة على أرضها تكاد تغرق بدموعها ،  تلك التي ابتدأت صباحها بصرخة وداع حلوة ، ها هي تنهيه و تنهي معه كل سنينها بصرخة ألم لا مثيل له ، ألم ثكلى لا معنى للحياة لديها .

"لا أرغب بالحياة بدونك يا ولدي .. عُد إلي و إن لم تتعلم من الدنيا حرفاً واحداً .. لا أريد شيئاً آخر .. تباً لها من مدرسة تفرقني عنك "

توقفي يا أماه .. ليست المدرسة من قضت بتفريقنا ، بل وحوش تعيش بموتنا يا أمي ، لا تخافي و لا تحزني فأنا في أبعد مكان عن تلك الوحوش القذرة الدنيئة ، أنتظرك في الجنة ، أجمل مكان على الإطلاق .. هل تصدقين يا أمي .. إن الجنة مختلفة كلياً عن أرضنا ، ليس بها دمار و لا انفجار ، و لا حتى جوع و لا عطش ، و لا حزن ، الكل سعداء هنا ، أنا و أصدقائي أيضاً سعداء كثيراً ، يا ليتني زرتها من قبل ، و يا ليتني لا أفارقها أبداً .. لا تتأخري .

هو طفل سوري .. خال أنه ذاهب إلى مكان مليء بالكتب و الأصدقاء ، و لكنه لم يعد إلى المنزل في ذلك اليوم .

اللهم الهم أمه الصبر و السلوان .. اللهم ارحم قلبها المتفطر ألماً و اخزِ عدوها .. اللهم انتقم لها ممن فرقها عن فلذة كبدها .

اللهم ارحم الشهداء

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

التاريخ .

 

نشعر في لحظات أن التاريخ يشبعنا ألماً .. و لكن يجب أن نعي تماماً ارتباطنا بكل مكوناته ، فهذا التاريخ الذي طوينا صفحته آبين نسيانه أو راغبين بلا مقدرة ، هو صانع حاضرنا و مرآة مستقبلنا ، و هو ماضٍ ملازمٌ لنا ، هو تاريخ في طريقه لكتابة تاريخ جديد ، يستعين به زعماء ٌ أحياناً لإعادة تطبيقه من جديد ، و يعيد السلوك البشري نسخ نفسه كما عهدناه من الأولين ، و يحاول بعض المتربصين طمسه ، أو تزييفه في أحيان نادرة ، هم مجرد لصوص أرقام ليس بيدهم إلا اقتياد بعض العُمي إلى سطورهم الوهمية و جرّهم إلى بوابة التبعية المليئة بالقذارة .

هو التاريخ .. يكاد يكون قضيتنا الكبرى و لكن من وراء حجاب ، لا يقربه قصيرو الخطى و محدودو الرؤى ، بل يتطلب الأمر شجاعة و إقدام حتى تنال رشفة من رحيق حقيقته ، هو أسطورة كحجر الفلاسفة .. و قصة كألف ليلة و ليلة ، به قداسة يُفني المرء لأجلها حياته طلباً للعلم النزيه في حضرته ، و يجاهد نفسه من أجل أرقام ، أحداث ، و أوراق مكوّمةٍ .. من أجل الحقيقة لا غير .. لا مبدِّل لها بمشيئة الله .

كل شيء يدور في نفس الدائرة .. و كله يتكرر من جديد .. حتى ما ظننا أننا لم نألفه نكتشف بعد تبحّر بسيط في كتب الأقدمين أن من سبقونا في الحياة قد عايشوه تماماً كما نعايشه نحن الآن و هكذا الكون يجري .. بمعدل ثابت ، و يبقى المتغير الوحيد هو الإنسان نفسه ، الذي كثيراً ما يختار استنساخ معاناة السابقين دون استقاء الحكم منها .

هذه هي حكاية الزمان ..

و هكذا يدور كل شيء في عالمنا .

السبت، 25 سبتمبر 2021

رسالة أخرى من البحر ..

 


جمعني بالبحر و اهداني قلم ، لأبدأ ابحاري في محيط اللغة الذي لا ينضب ، لترتوي روحي بنشوتها و تستلهم من حيويتها ، لتنتحل شخصية لم تألفها من قبل ، و تعيش أحداثاً لم تصادفها قبلاً ، لترسم من خيوط متشابكة في عمق ذهنها ، سبلاً فجاجاً ، تستنير بها .



تلك الروح .. تعشق البحر بتفاصيله ، و تستكين له لما يراودها ، و تبسم له حينما يناديها ، ثم تمسك بالقلم تراقصه بخفة ، حتى ترتاح ، ففي رقصة القلم لا تعبٌ و لا إنهاك ، هناك تكمن راحة فقط ، مستراح لنفس خدّشتها مخالب الحياة و أهلكتها عواصفها .



في هدوء البحر ليلاً .. أستحضر مخاوفي لأتحداها ، يعلمني شديدُ موجِه كيف أواجه ينابيع قلقي و براثن تعاستي ، كيف أتعايش مع تلك البقعة السوداء التي بداخلي إن لم أملك الإستطاعة لإشعالها نوراً .

سأعيش بيقيني أنني أستطيع أن أضيء طريقي متأقلمةً مع عتمة قلبي الصغيرة ، و سأزور البحر حيناً و عدة أحيان ، فإرتباطي به لن يُقطع ، كصدفة لم تفارق موطنها البارد حتى الممات ، تحب هديره الطروب ، عنفه و هدوءه ، و ملوحته و رطوبته و كل ما يخصه .


الثلاثاء، 31 أغسطس 2021

لماذا أنا إنسان ؟

 يساورني سؤال داخليّ قد يبدو سخيفاً للبعض .. و قد يبدو مريباً لآخرين .. أتساءل عن مظاهر الإنسانية بداخلنا ، عمّا يجعلني إنساناً مثل بقية الناس من حولي ، ما الذي يجمعنا و يشبهنا ببعضنا ؟

هل أحوال النفس التي تتحكم فينا .. هل سلطة العقل على الحواس .. هل سلوكنا البشري المعتاد ؟

.....

كأن تستيقظ ممتلئاً بالأمل و تعود إلى براثن خيبتك مجدداً .. تجرّ ورائك ذيول البؤس وحيداً إلى سريرك ثم تلعن كل الكائنات من حولك ، و تغرق في ظلام مليء بالأحلام ، أحلام تمدّك بالنور الذي تحتاجه لبدء صباح جديد .

كأن ينضب الشغف الذي بداخلك بعد رمضاء الإنتظار و تظن أنك قد فقدته ، ثم تدبّ فيه الحياة على حين غرة على نحو فريد .

كأن يأتي أمرٌ لم يكن متوقعاً .. كأن يفاجئك خبر لم يكن بالحسبان 

كأن تداهمك مشاعر غزيرة من بعد انطفاء مريب دام لأزمنة عديدة .

كأن يتحول الشيء الأهم في حياتك إلى أمر لا يعني شيئاً !

كأن تندم على كلام .. أو تندم على سكوت .. 

أن تندم على "لا" أطلقتها .. أو "نعم" نطقت بها

أن تعيش حلم والدك .. و تدفن حلمك تحت التراب

كأن ينقلب الصديق إلى عدو .

و ينقلب الحال إلى حال آخر معاكس تماماً .

كأن تقف خلف النافذة تراقب سطوع الشمس و غروبها مراراً و تكراراً بلا سآمة .

كأن تهطل السماء بعد أشهر عجاف لتغسل معها أحزانك ، لتخلصك من سطوة أفكارك ، لتذكرك بأن قلبك ما زال طفلاً يهوى اللهو تحت المطر .

كأن يحلّ العيد بعد صوم دام طويلاً .. كأن يحل الربيع بعد شتاء قاسٍ .. و تزهر الأشجار بعد موتها 

كذلك الفشل الذي ألقى بظلاله عليك كالجاثوم ، ثم شهد انتصارك عليه بعد عناءٍ ما كاد ينتهي !

و هل العناء ينتهي قط؟

اعلم .. أن كل خطوة نختارها في هذه الحياة ما هي إلا موافقة نخطّها على سلسلة من العناء الذي لا خلاص منه .. حتى نصل لا بد أن نشقى قليلاً ، لا بد أن نسهر بضع ليالٍ و نقضي أياماً أُخَر محاولين التهرب من كل شيء و الخلود إلى نومٍ مخمليّ ينسينا همومنا .

و لكن الهروب ليس حلاً دائماً .. 

إذا ما قضيت عمرك هارباً ، فلن تتعلم .. لن تتقدم .. لن تعمل .. لن تنجز و العديد من "لن" ستصطف أمامك لتحذيرك من راحة وهمية تبتغيها دائماً .

و لا بد أن أعرج إلى سمات نراها في كثير منا ، و هي امتلاكنا السبل لمواساة الآخرين و عجزنا عن مواساة أنفسنا .

و أن نرى ما يميز غيرنا و نغفل عمّا حبانا به الله من ميزات و مواهب .

أن نطلق أعيننا لمشاهدة نعيم الآخرين و ننسى ما نحن به من نعم .

أن لا نفهم أنفسنا و نصطدم بهذه الحقيقة في نصف الطريق .

كل ذلك ألا يجعل منك إنساناً .. و يجعلني كذلك .

متشابهون و إن اختلفنا كثيراً !

الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

تملك أم أنانية ؟

 هل أسميها تملك مشروع أم أنانية جشعة ؟

في كل علاقاتنا الإنسانية و منذ نعومة أظافرنا و إلى أن اخشوشنت ، كنّا متمسكين بعادة ليست بغريبة علينا .. أحببنا التملك في كل حين و تعلقنا بالأشياء و الأشخاص من حولنا بشدة متمسكين بأحقيتنا بالإنفراد بملكيتهم .

عندما كنا صغار الأحجام و لم يتعدَّ عالمنا اتساع صندوق ألعاب ، أردنا احتكار والدينا لأنفسنا و لو كان ذلك باستبعاد أخوة لنا قاسمونا الخبز عشيةً ، سعينا دائماً لإدامة صورتنا كذلك "الطفل المحبوب" بأعينهم كما لو أنهم لا يملكون في هذه الدنيا سوانا ، ربما دفعتنا  تلك الرغبة المُلِحّة بداخلنا إلى التوغل في وحل الغيرة و ارتكاب الأذية المستمرة مع أشقائنا .

و عندما كبرنا قليلاً و اكتسبنا سنيناً إضافيةً في سجل عمرنا ، رغبنا في الحصول على صديق يميزنا عن جميع الشخوص في حياته ، خليل يقضي معنا كل لحظات عمره بلا مشاركة أي دقيقة مع دخيل آخر ، و نعتبر أي دخيل حتى لو بمصافحة سلام هو عدو لا بد من إبادته .

الكل فينا يحب الفوز الكثير و لا يبتغي سواه و ينفر من الخسارة مهما كان حجمها .. نريد الفوز دائماً و لو كان ذلك على حساب خسارة أحدهم .

 كثير منا أراد الحصول على المال و انفاقه بمفرده على رغباته و حاجاته و هواه ، و كره كل اشكال مشاركة المال حتى و إن اضطر إليها .

و مظاهر عدة تكشف لنا عن تلك الحالة النفسية التي نمر بها جميعاً ، بل دعنا نسميها بكل صراحة ذلك الطبع المتأصل في شخصيتنا الإنسانية البسيطة و يأتي أحدهم بكلّ غرور متغاضياً عن مساوئ شخصيته لينعتنا بالأنانيين أو الجشعين !

بربك يا أخي ما هذه السذاجة في القول ؟

و أنت عزيزي القارئ فكر قليلاً ..

 ما هي التسمية الصحيحة كما ترى أنت لهذه الحالة و ما هي مظاهر حب التملك في شخصيتك ؟

الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

لن نرحل .

حي الشيخ جراح

 تخيل أن تبيت ليلتك دون سقف يأويك و لا نوم يقترب منك ليريح جسدك المنهك و روحك اليتيمة ، و لا هدوء يخمد النيران التي تلتهم جوفك .. تعصف بك الأفكار من كل فج .. فتمسي تلك الليلة هي أقسى الليالي ظلمة في حياتك .

نعم هناك من يواجهون هذا الخطر الداهم في أحياء مدينة القدس و بالتحديد حي الشيخ جراح و حي سلوان .. واقعيون و موجودون بيننا أو بالقرب منا أو ربما تفصلنا عنهم مسافات طِوال .

بعيداً عن السياسة التي لا أريد أن أقحمكم فيها ، أود أن آخذكم إلى زاوية إنسانية تعمل فيها مخيلتكم و تتحرك فيها مشاعركم بعطاء.

ماذا لو كان ذلك الشخص المهدد بالطرد و التشريد هو أنت ؟ ماذا لو طلب منك هدم منزلك الذي يضم أقرب ذكرياتك إلى قلبك ، طفولتك ، عاداتك ، لحظاتك مع عائلتك و أحبتك .

 قف و تخيل معي قليلاً ماذا لو تخلى عنك الكثير من جيرانك بحجة أن الأمر لا يمسهم لأن لديهم منازلهم و أعمالهم و حياتهم الخاصة التي ينشغلون بها عنك .

ماذا إن لم تكن لك قضية .. ماذا إن أصبحت مأساتك هي واقع وحدتك في هذه الحياة .

و تخيل معي في زاوية أخرى .. إن كانت قضيتك هي قضية العالم بأسره ، تخيل إن رفض العالم التخلي عنك و تصدى لذلك العدوان البشع الذي لن تواجهه لوحدك بعد الآن لأنهم سيكونون معك .

تخيل وضعاً يكون فيه مصيرك محتوماً بقرار خصمك .. أن تعيش في مرمى النيران و يلاحقك كابوس الحرمان .

الحرمان من الحياة الطبيعية التي تتمتع فيها بأبسط حقوقك كإنسان يعيش على هذه الأرض و هو جزء منها .. متجذِّر في تربتها و مُسجَّل في تاريخها .

أن تُحرَم من الوطن و المُواطَنة ، التي هي حقك المشروع و دافعك للحياة ، 

أن تحرم من رائحة الجدة و شاي الصباح و فطور رمضان و غداء الجمعة و صلاة التراويح !

أن تُمنَع من أن تكون أنت أو أن تمثل ذاتك و تراثك و عاداتك و كل ما يخصّك و يجعل منك فريداً بين الشعوب و تمحو كل ما هو دخيل عليك ،

 أن تمتثل لكل ما يرونه لائقاً بهم و برؤيتهم العقيمة .

أن تكون أنت الأساس و هم الدخلاء .. و لكنك بشكل ما تضطر للخضوع لهم بلا إرادة منك و في بطش شديد منهم .

أن تتعرض روحك لخطر إزهاقها في أي لحظة بدعوى التمرد و المخالفة لما تريده تلك الوحوش في مشهد يرقص فيه الثعلب المكار بعمق دارك في مرأىً منك و لكن بلا حول و لا حيلة .

تخيل معي أن يتم وصفك بالمجرم و تكون تهمتك هي أنْ قلت "هذا بيتي ، لن أتركه"!!

ثم توقف عن الخيال عزيزي .. و تأمل حولك جيداً .. و كن جزءاً من هذا الحراك الذي نأمل من خلاله حفظ حقوق أُناس مهددين بسلب هذه الحقوق منهم ، مهددون بالإخلاء و التهجير القسري و التطهير العرقي و الهدم الذاتي و التي من المفترض أنها تعد مصطلحات مُجرَّمة في عالمنا بل مُحرَّمة ، فهي وسائل إجرامية بحق كرامة الإنسان و عيشه ، لا يقبل بها الحرّ و لو وقعت على عدوه .

فكيف إن كانت تلك الأم التي تجابه هذه الويلات هي بمثابة أمك ؟

عندها لا تقف صامتاً و شارك معنا عبر هذه الهاشتاقات حتى نستطيع إيصال أصوات هؤلاء الأبطال إلى العالم أجمع :

#أنقذواْ_حي_الشيخ_جراح

#أنقذواْ_سلوان

#أنقذواْ_بيتا

#أنقذواْ_لفتا

و باللغة الإنجليزية :

#savesheikhjarrah

#savesilwan

#savebeita

#savelefta

الثلاثاء، 10 أغسطس 2021

هل تحتاج هذه الرسالة اليوم ؟

 جميعنا نبحث عن قصة نجاح لأنفسنا .. و مقعد راحة أيضاً 

و لكن هل يكفي كل ما نقوم به من جهد  حتى نستطيع تحقيق ذلك ؟ هل تكفي طاقتنا لتجاوز كل تلك الحواجز و العراقيل و الوصول إلى نهاية الطريق ؟ بل هل هناك وجود فعلي لنهاية ذلك الطريق ؟ أم هي بداية أخرى تكمن مع كل مكافأة إنجاز نمنحها لأنفسنا ؟

أنا أؤمن بأن كلّ إنسان يمتلك بذرة نجاح مضيئة بداخله ، و ما عليه فعله هو فقط أن يفتش عنها و يكتشفها ، و هنا ستكون نقطة بدايته ، هنا فقط سيمسك بالقلم و يبدأ بكتابة نجاحاته ، أؤمن أيضاً أنّنا ما دمنا سائرين في هذا الطريق فنحن بحاجة إلى ربنا عند كل مسيرة و محطة ، نحتاج أن يمنحنا الطاقة للمواصلة و نحتاج ذلك الأمان الذي يعتلي أفئدتنا بمناجاته ، و الأمر الآخر الذي نحتاجه هو فكرة ، و الإصرار عليها .

يقولون أن كل مشروع يبدأ بفكرة .. نعم هذا صحيح .. أنت تحتاج إلى تلك الفكرة التي تظل تتجاهلها و تتظاهر بالإنشغال عنها .. تحتاج أن تسعى لها و تصنع لك مصيراً آخر و حياة بِلَون آخر .

أما فيما يخص مقعد الراحة .. فمن يهوى المعالي لا ينبغي أن يتوق إليه كثيراً .. هو فقط حلوى صغيرة تحصل عليها بعد يوم مليء بالعمل .. و منام هادئ تكسبه بعد تعب متواصل .. فقد تعلمنا من كتب التاريخ أن أبطالنا الذين نحتفي بهم هم أقل الناس حصولاً على هذه الإستراحات .. يتملكهم شوق لاذع إلى تحقيق الإنتصارات المتتالية دون توقف .. و هل يفوق ذلك قدرة الإنسان ؟ بالطبع لا ، ما دام أولئك قد تمكنواْ من تحقيقه .

توكّل على الوهّاب ، و اسعَ لتحقيق أحلامك حتى و إن بدت لك مستحيلة ، فهذا العالم لن يمنحك ما تبتغيه إذا ما ظللت قاعداً لا تحرّك ساكناً .. إذا ما طاوعته و فعلت ما يريد هو ، لن تحصل على شيء بالمقابل بل ستمحى من ذاكرة التاريخ سريعاً .. أما إن كنت تؤمن بنفسك .. إن كان حلمك يستحق السعي .. فالتمرد واجب أحياناً .

إن سار العالم إلى حافة الهاوية .. تمرّد و اخلق منطقة أمانك .. و سر نحو ذلك الضوء الذي لا يراه أحد سواك .. لأنه هو الحقيقة و ما دونه سراب .

إنّ عبيد و أسرى هذا العالم يفضلون النوم كثيراً لكي يحلمواْ .. و لكن القلّة هم من يتحدون العالم لتحقيق أحلامهم ، كن معهم ، الأمر ليس آمناً و لكنني أعدك بأنه مجزٍ حقاً .

ستسقط في حفرة .. ستُطعَن في ظهرك و أحياناً في عمق قلبك .. ستتعلم الكثير من الدروس التي لن يكون لديك وقت لمراجعتها كرّة أخرى .. ستتعثر بحجر ما أو عدة حجارة  .. ستمرض و يصاب جسدك بالوهن و لكنك سَتُشفى .. ستمرّ من جنان خضراء و أنهار جارية و ستضطر لمفارقتها فقط لتكمل الطريق .. ستصمت كثيراً و ستحتاج إلى الكلام أكثر .. ستحارب و لن تتوقف عن المحاربة و إلا فستركع خاسراً .. ستجد الحب و الكره .. و تختبر السعادة و الحزن .. و تعيش لحظات من اليأس و ساعات من الأمل ، و الأظهر أنك ستبكي كثيراً ، فأطلق العنان لدموعك و لا ترهنها حبيسةً تحرق جوفك .

إنني لا ألخص عليك مراحل حياتك في هذا النص البسيط ، و لكنني فقط أودّ أن ألفت انتباهك للعديد من المحطات التي من المحتمل أن تصادفها في رحلتك ، و التي أنت تعلمها جيداً و لكنك في كل مرة تتصرف و كأنك تصادفها لأول مرة بسذاجة و جهل غريب ، يجب أن تكون مستعداً لكافة الإحتمالات و دع القدر يحلّ .

نعم ستواجه مواقف لن يستطيع عقلك استيعابها .. لن تتمكن روحك من تحملها .. ربما ستُضيع الطريق و تسير وحيداً تائهاً .. أو ربما ستضطر إلى التوقف و تغيير كل شيء ، و لكنك لن تكون بحاجة إلى العودة للوراء إطلاقاً ، و لا تمتلك هذا الخيار أساساً ، فلا تلتفت خلفك بشكل فارغ ، فالماضي ورقة مطبوعة لن تغير فيها شيئاً .

 لا تتخلى .. لأن الأصعب من كل ذلك هو التخلي .. هو خسارة باهظة الثمن .

لا تتخلى عما يسعد روحك و يمدها بالطاقة و الدافع ..و تذكر أنك تعمل لآخر يوم في حياتك ، و لما بعده .

إنني أعلم بحق أنك لست بحاجة إلى من يعلمك هذه الأمور .. أو ربما أنك تمرّ بظروف عصيبة جعلتك تشعر بالعجز و تحتاج إلى تذكير بسيط .. فساقك الله إلى هذه الأسطر التي أرجو أن تكون قد أعادت إليك شيئاً من أملك و طاقتك و أن تحقق الأثر المرجو منها ..و بما أنك قد وصلت إلى نهاية هذه الأسطر فأتمنى أن تكون قد لامست شيئاً من قلبك و انتشلتك من تابوت اليأس المعتم و من بعد ذلك فأنا لا أتمنى لك شيئاً أقلّ من السعادة !

الجمعة، 30 يوليو 2021

إنسانٌ و الطبيعة

 


تبدأ قصة الإنسان مع الطبيعة منذ اللحظة الأولى له على هذه الحياة .. يتعلق بمكوناتها تدريجياً مع تطور مراحل عمره .. ترتبط بها أحداث و قصص حياته ..مع تعامد القمر مع مجلسه تتوهج روحه .. مع ابتسامة الفجر يبتدأ أحاديثه .. مع نشيد الطير و تمايل شجيرات الصبا طرباً تضحك له نسائم الأصيل فيحييها .. و يداعب الندى جفونه برقة .. تتصاعد أمنياته مع أنفاسه فتستبشر السماء بها و تمنحها عناقاً دافئاً .. و يسدل الغروب رداءه مترفعاً في وسامة طاغية فتشيح بوجهها أمواج البحر في خجلٍ ، و يتابع هو كل تلك المشاهد بلذة و يحلم بها عندما يغلق عينيه .



في زاويتي تكمن استراحة جانبية حيث أقضي واقعي بالحلم .. و أكون واقعية للغاية في حلمي ، حيث يكمن مزيج متناهي المثالية بين القوى و الأحاسيس ، حيث أساهم في إنشاء سعادتي الخاصة بمخاطبة الأمواج و الغناء مع النسيم و التلصص لمراقبة الشمس التي تزداد جمالاً كلما توارت خجلة بحجابها المخملي .. هنا حيث ينفى البشر تماماً و تبقى الطبيعة هي سيدة المكان و الزمان و الكائنات .. حينها فقط تصبح كل المشاهد حولي هي حياتي و عناصر الطبيعة عائلتي .. و يصبح هذا العالم بأسره ملك لي .

حينها تتحد روحي مع كل تلك العناصر ، فحيناً أكون شجرة بين الشجيرات أو نخلة باسقة تتشبث برمال حارقة ، أو أكون قطرة ماء في محيط شاسع ، أو ربما غيمة تتجول في صفحة السماء ، أو نجمة معلقة في رداء أسود ، أو مجرد نسمة لطيفة تحمل قبلة لمن تقابله من الكائنات .

ثم أمضي تاركة ورائي رسالة صغيرة لمن يأتي بعدي ، رسالة خاصة لن أكشف عن محتواها .. سيحملها خليفتي في قلبه .







ملاحظة : جميع الصورفي هذه المقالة أخذت للطبيعة الخلابة في السودان .

الثلاثاء، 27 يوليو 2021

في السماء أجد ذاتي


السماء


 تربطني بالسماء علاقة وجودية ، فكلما ابتدأت يومي عمدت إلى نافذتي لألقي عليها نظرة تمنحني طاقة ليوم ابتدأ للتو ، و كلما تأملتها وجدت فيها سكون العالم و طمأنينته ، طاقته و حيويته ، حتى غضبه و انفعالاته ، بين غروب و شروق تختزل قصة يومي ، ليل و نهار يمثلون فصول شخصيتي ، أختصر قصتي بسماءٍ شديدة الإختلاف عن الإنسان ، لكن بمجرد التأمل فيها أجد ذاتي ، أراها شبيهة بإنسان متزن يمضي في هذا الحياة ، ما يميزها هو استمرارها في نظامها بتوازن و صمود مطلق ، من بديع صنع الخالق ، هو بديع السماوات و الأرض .

 سماء واحدة سحرت عيني و حتى عقلي فكيف بسبعٍ أخر أتقن إرساءهن ؟

إن أردت شيئاً من سحر الكون ، ارفع نظرك و تأملها .. و إن احتجت بعضاً من المواساة فلا تزيح نظرك عنها .. هي مزيج من كل شيء ، هي الهام الكاتب و مواساة الحزين و راحة المجهد و نشوة المتأمل و فلسفة المتعلم ، هي نعمة الله المحمودة إذا أمطرت ، و عقابه إذا سخط ، هي رحيق الإيمان و الطريق إليه ، هي من يجد فيها المرء طمأنينته و يشارك معها أسرار قلبه .

العلاقة بين الإنسان و السماء علاقة وجودية مستمرة لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها ، فتلك السماء من فوقنا تحب فرض سطوتها علينا فتأسر عيوننا بهيمنة طاغية ، لتذكرنا بأنفسنا ، بقيمتنا ، بضآلة أحجامنا ، و حاجتنا لربنا في كل حين ، لتمنحنا من دفء الوطن و تطفئ أشواقنا .

الثلاثاء، 13 يوليو 2021

غريق أشفق عليه البحر !

غرق المهاجرين غير الشرعيين

عندما قرر أن يلقي بنفسه إلى الأمواج .. كان يعلم بأنه سيخوض صراعاً فتّاكاً مع أمواج من صنف آخر .. سيكون صراع القدر و المصير ، و هو الجهاد من أجل نصف حياة .. ذهب محمّلاً بمتاعٍ كثيف من خيبات الأمل .. رحل واضعاً الموت نصب عينيه .. لا يرى سواه على متن قاربه المتهالك .

تتكالب عليه أمواج و أفواج تحمل ظلمة العالم بأسره في جوفها .. تتدافعه الرياح العاتية فيتمايل باضطراب .. يلكمه الزمهرير كلما غفى أو تغافل .. تتقاذفه الحدود و المسافات .. لتلقي به إلى بر الحياة أو بر العدم .. يحتسي ليالٍ من السُّهد البائس .. فتطوقه كوابيس يَقِظة و تمطر السماء عليهِ حمماً لاذعةً .

و عندما وصل .. استقبلته أعين جارحة و أفئدة أشدّ إيلاماً مما خُيِّل إليه قبل الوصول .. لطالما تجاهل كونه كائن غير مرحّب فيه في أي وجهة يطؤها و أي بقعة تستقبله .. لأنه كائن سيظلّ الإرتحال مصيره و يومه و غده .. لأنه إنسان هجر وطنه ، فكيف يكون له للإتصال سبيلاً ؟ 

و يمضي و يستمر بالمضيّ في رحلته اللانهائية حتى يصل إلى وجهة اللاعودة ، فيمحو بذلك كل إحصاء فقير ليحلّ محله صفراً مطلقاً .

و كيف يكتسب الشخص قيمته في هذه الحياة ؟ إن كان قد أُقحِم في معركةٍ بين أطراف هو ليس منها ، و لكنه هو الخاسر الأكبر فيها .. هو صفر هذه المعادلة ، هو الطرف الذي أُلقيَ في حفرة على حين غرة و أضرمت به نيران حارقة .. دون أن يكون له حدثٌ أو حادثٌ و حديث !

و بعد ذلك كله نظلّ نسأل ببراءة : و هل للإنسان قيمة إذن ؟

عندما يلتهمه البحر و موجه .. فيبكي إشفاقاً عليه .. و يصمت البشر صمتاً أبدياً في ثبات مريب .

ضمائر صامتة .

أرواح غارقة .

حياة تنتظر أجلها خلف القضبان .

لذلك هو صمت الضمير الذي نحاربه .. نناديه لعله يستيقظ حيناً .. حتى لا يغطّ في غيبوبة تتسبب في مقتله .




الجمعة، 9 يوليو 2021

نصف إلتفاتة وخبزة

 نصف إلتفاتة .. في عمر الطفولة كانت كفيلة بحفر ذكرى بقيت معي عمراً .. تتردد على عقلي و تحاصر مخيلتي بين الفينة و الأخرى .. ظلّ وقعها يلازمني حتى هذه اللحظة التي أصافح فيها أزرار لوحة المفاتيح مفصحة عمّا أذكره عن ذلك الموقف .

رداء بني أو بالأحرى أبيض .. بل كان أبيضاً و لكنه مشبَع بالأتربة الأرضية ، و كأن صاحبها قد خرج من قبره و أتى أمام عينيّ ، كنت أحمل كيس خبز منصرفة لألحق بالغداء و كان هو يحمل قطعة نقدية واحدة تكفيه لخبزة واحدة ربما قد يقضي يومه عليها ، ليس أهم من هيئته تلك سوى ملامح وجهه ، تلك الإبتسامة الصغيرة التي كانت ملتصقة بوجهه و النظرة التي تخفي ورائها أسطرٌ و جملٌ و حكايات ، كانت ثوانٍ و لكنها استمرت تطاردني حتى وصولي ، كانت تتكرر كجهاز قديم أُتلِف شريطه .

كان الأمر غريباً لطفلة اعتادت النسيان باللهو .. طفلة تمسح دموعها فتبدأ بإطلاق ضحكاتها بعد فترة وجيزة .. كيف لمخيلتي العاملة الصغيرة أن تغفل سبيل النسيان .. و كيف لها أن تستمرّ بإعادة ذلك المشهد في ذهن تلك الطفلة التي أصبحت الآن فتاة في عمر الشباب ؟

لماذا لا يختفي ذلك الطفل من رأسها ؟ لماذا يقيم خلف عينيها ؟ لماذا تكبر و يبقى هو طفلاً ؟ 

أسئلة تنطلق كلما التقى ذلك اليافع بخلايا دماغها العاجزة .. في حضوره كانت تختفي الكلمات ، و يصمت ذلك الصوت الذي لا يهدأ بداخلها ، حتى تلك اللحظة التي عندما استحضره خيالها مجدداً و هي على سجادتها ، أحبّت أن تخصص له دعوة بسيطة.. دعوةٌ لطيفها المعتكف في باطن تفكيرها .

ذلك الغلام الذي اقترن بالوطن و أيامه و ذكرياته ، الذي علمني حضوره في حياتي مداومة الحمد ، علّمني كيف أشكر و أثني على من وهبني الكثير و لم أدرك منها سوى القليل ، تعلمت منه أيضاً أن في الوطن صغارٌ ينتظرون إنقاذهم من تلك الحفرة المظلمة ، أو تلك الدوامة الساحقة التي تضرب بقسوة وهن أجسادهم ، ينتظرون انتشالهم من جحور اتخذوها منازلاً لهم ، ينتظرون أن أحارب من أجلهم .. من أجل أن ينالواْ حياة مكتملةَ الأركان .. ينتظرون أن أصبح صوتهم و عينهم و أياديهم الممتدة إلى الخير و النعم .

سآتي .. هو وعد عليّ .. سألتقي بذلك الطفل ، خليلُ مخيلتي .. سأسلّم عليه و أهجو إليه ضعف طفولتي و جبنها .. سآخذ بيده في جولة فوق ثرى الوطن .. و سأبحر في عالمه ، و أنقذه من موجٍ عالٍ يكاد يلتهمه .. أو إن تطلب الأمر ، أغرق معه .

أمعاء خاوية !

 


شاهدته لأول مرة ، فانقبض صدري ، كان منظراً مفاجئاً لدرجة اختلطت بها التفسيرات بالتساؤلات في عقلي .. كنت أحاول أن أميّز ما تراه عينيّ .. أهو جسد ملقىً بلا روح .. أم نصف روح محشوة بداخل جسدٍ مهترئ .. أم روح مرئية فقط ، أم لا شيء من هذا و ذاك ؟ 

ثم تساءلت كثيراً .. هل يعقل ؟ هل يفعل إنسانٌ بنفسه هكذا ؟ و في سبيل ماذا ؟ ما هو ذلك الدافع الذي يحرك إنساناً ليلقي بنفسه في وديان سحيقة من التهلكة ، أن يضحي بذلك الجسد المتكامل الصحيح الذي وُهِب له من الخالق المنان ، أن يعطّل ذلك النظام الساري بجسمه من أكبر أعضاءه حتى أبسط خلاياه !

كان الأمر صادماً و باعثاً بالعديد من الأسئلة الروحية العميقة ، أَهي الحرية ، من تدفعنا إلى كل ذلك ، من تحرّك كل شعور فينا إلى ذروته ، و توجه كل تفكيرنا نحو آفاق المجهول ؟ هل تتحمل الحرية كل تلك الآثام ؟ أم أنه في سبيلها يتحول كل إثم إلى ثواب .. و كل عقاب إلى تعزيز مجزٍ !

أهي ثمينة إلى هذا الحد ، إلى حد أن تحصد أرواح الشرفاء .. و تستقي من دماء الأنقياء .. و تنعم بكلمات الحق من فمِ صنديد لا يهاب خناجر الغدر و سهام الإغتيال .

في صفحاتها أسماء موسومة بأسمى الصفات الإنسانية .. ليسواْ ضحايا .. بل أيقونات تكتسي الخلود .

مثل قصة أمعاء خاوية .. حاربت قوانين الطبيعة و سنن البشر حتى تظلّ صامدة بوجه أشباح الموت التي كانت تحدّق فيها بحدة ، و توجه صفعة لوجوه بضع كائناتٍ تستهوي البطش ، و تتمرغ في وحل الظلم دون رادع ،

و انتصرت .. نعم انتصرت تلك الأمعاء المنهكة في معركتها ، و نالت رشفة من رحيق الحرية المنعش ، حتى دبّت فيها الحياة من جديد ، و حل عليها الربيع أخيراً من بعد أشهر الجفاف القاتلة .

نعم فعلها و هو أهلها ، لأنه عندما جفّ جسده .. ارتوت روحه بالنصر ، و لأنه ما كان منهزماً في أي حين ، بل كانت عيناه تطالع السماء دائماً باشتياق ، و كانت روحه ترقب العُلا ، و كان اسمه يحلّق حرّاً يلقي التحايا على الشهداء و يسلم على الأحباب بكل ود .

نعم هو الغضنفر و سواه كثير ، محاربون أشاوس يحلمون بالحرية في كل ليلة ، فيستيقظون فقط لتحقيق ذلك الحلم ، و يتشبثون بكل قطرة أمل تنتشلهم إلى فضاءات واسعة ، هم كُثُر من حولنا ، يحتفي بهم التاريخ و يسجل أصواتهم في قواميسه و في أذهان أبطال ما زالواْ قيد الإنشاء ، تصطنعهم الحرية لنفسها و تجهزهم لخوض المعترك الأضخم في نضالهم المستمرّ و الممتدّ ممن سبقوهم .

هو نزال وجود مستمرّ .. إما أن تحارب لتنال أو تقعد خائباً .. النصر و لا سواه ثمن يُقبَل .

و كأن لسان حالهم يقول : على هذه الأرض ما يستحق الحياة و الموت .. و النضال و المعاناة .. و الأمل و الألم ، و مزيج من شتى فصول الحياة ، لأنها أرض الأحرار و سوف تظلّ أبد الدهر .

أبشركم و أهنئكم .. بحياة جديدة للغضنفر يستقبلها بأهازيج النصر و السعادة ، و الحرية لكل معتقل قد سلبت منه  ، و لأنهم شخصيات جديرة بالذكر في كل مكان و كل محفل أحببت أن أخصص هذه المساحة لأتحدّث قليلاً و أهب كلماتي الإذن بالتعليق على حدثٍ أثار توقدها و اندفاعها ، لتنال شرف الحديث عن تضحية رفيعة الشأن انطلقت تنادي بحريتها حتى ظفرت بها .

و حتى هذه اللحظة لا يزال العديد من الأسرى يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام على أمل أن يفطرواْ على حلاوة النصر ، فيا رب بشرهم .

الخميس، 8 يوليو 2021

نداءات الوطن .

هناك بعض الأمور التي تحدث بداخلي .. بدأت أدركها و لكنني ما زلت عاجزة عن تفسير الكثير منها !

تحاصرني غرابة التفاصيل من كل جهة محاوِلةً إخضاعي ، فأقترب من الإستسلام لها .. 

حتى يفضّ فقاعة الزمان إبرة واقعٍ يأبى أن يُغيَّب من على المشهد بالمطلق .

كأن أسراب من البعيد تناديني لتنتشلني من مقبرة الفراق فيتبعثر معها كياني و تضيع الأحرف في الكلمات ، و الكلمات في الجُمَل .. بلا جدوى !

يبدو الأمر عجيباً لدرجة لا تُصَدق و لكنه حافلٌ بالمشاعرِ المحتشدةِ التي استنفدت دفاعات قلبي و شرعت بالتدافع للظهور .. من أجل نور .. من أجل ذكرى .. من أجل نداءات الوطن هل يعقل ؟

رسائلٌ في كل مكان .. و في أحيانٍ تتحطم في إثرها أصنام التوقعات .. تفاجئني بنسماتٍ تميزها حواسي جيداً فيخلد العقل في سباتٍ من التأمل ، يغيب معه التواصل إلى أبعد مدى ، و تتبدَّل جُغرافيتي و تاريخي ، و يستوي عندها واقعي و خيالي ، و تبدأ حجرات الفؤاد المختزن في أعماقي بالعمل كما لم تعمل من قبل .. فتنتفي شهيتي لمواجهة الحقائق و التفاسير و الإجابات الصريحة ، و يبقى الشغف باستمرار تلك اللحظة العابرة عمراً بأكمله .. لأبقى أسيرة جنونها و سكونها و دقائقها و ثوانيها و كل تفاصيلها ، حتى النفَس الذي يجيء فيها و يغادر لا أغفل عنه.

أحب الأمل و أعشق الحلم .. لأنه يجمعني بمكامن الحب في قلبي و يُسكِن شوقٌ يتخبط في باطن جسدي ،

لا معنى .. لا تفسير .. لا جدوى يهمني أن أفهمها كل ما أعرفه هو أثر وجودك الهائل في حياتي .

الاثنين، 24 مايو 2021

حـــلم قريب ♥



حزمت حقائبي و مشاعري و أحلامي

في رحلة إلى شوقٍ عظيم 

نويتها شهراً .. فأنجب الشهر من صلبه شهرين

و من شهرين إلى ثلاثة ..

و هكذا ، حتى فقدت القدرة على الرحيل 

لأنني قد نسيت طريق الخروج 

و ما أنسانيه إلّا حبك المهيب 

في القدس صليت حتى ارتويت

بطمأنينة في أقصاها المبارك 

في القدس تنفست من جديد

و تذوقت الحياة 

في القدس حلمت كل يوم 

بميلاد جديد .. بيوم عيد

بطيور حرةٍ تصدح بالنشيد

في القدس تذكّرت أزمنة و أحداث 

أرملة و ثكلى و يتيم 

و سكّان جنّات النعيم 

و إحساس حميـــــم 

نعم .. 

لقد صدقت الرؤيا 

و صدق وعد الله 

السبت، 22 مايو 2021

"عندما وجدت أناساً لا يخافون"



 ما هو الخوف ؟

هو قلق مما يحمله الغد ، هو أرق من فقد مرتقب ، هو طبيعة تظل ملتصقة بالإنسان كظل لا يفارقه إلى الممات .

لطالما تساءلت كيف لي أن أتخلص من سطوة الخوف عليّ ، و إن كان الخوف من مقومات البشر و مكونات النفس الإنسانية الملازمة له ، في حين أن الإنسان قد استطاع أن يتجرد قبل ذلك من كل ما يجعل منه إنساناً و ينهش و يريق دماء الأبرياء و يرهب بلا شفقة ..

أقف أنا باحثة عن السبيل الذي يجعل من القضاء على الخوف أمراً ممكن حدوثه في واقعي ، و أعجز عن التوصل إليه .

حتى رأيت يوماً أهل غزة .. فأحاطتني هالة الذهول .

........

و ذات مرّة حاصرني كابوس ..

كان الأطفال يموتون 

كانت الأمهات تبكين 

سُوِّيَت البيوت بأرضها 

كان كل شيء مدمراً

و كنت أنادي ..

و أنادي و أنادي

و لكن لا إجابة ، لا إلتفاتة

هم لا يسمعونني !

هم لا يدركون وجودي و كأنني لا شيء !

و لا حتى رماد أطفأه التجاهل

حينها أدركت فقط ..

أنني كنت في غزة .. أطلب الغفران 

أطلب الغفران من أهلها 

من أناس يعيشون بين الأرض و الجنة 

من بشر لا يعرف الخوف إلى قلوبهم سبيلاً

من أشخاص استمسكواْ بالعروة الوثقى 

فكان الله وليّهم 

من وجوه ما ضحكت إلّا عندما أُلبِستْ الكفن

من أمٍّ أهدت زهورها إلى الأقصى 

من صمود ليس له مثيل 

أعذريني يا غزة .

فحبلي أقصر من أن أصل إليكِ .

أعذريني يا غزة فحبّي لكِ لا يكفيكِ .

أعذريني على خوفي .. على ضعفي .. على نقصي .

على كل الطرق المغلقة إليكِ .

و على قلبٍ يهوى الوصال و لا يلاقيه .

"من وحي الواقع والخيال معًا"

الثلاثاء، 11 مايو 2021

فلسطين قضيتي .. القدس قضيتي



نعم هي قضيتي و مآلي ..
 نعم هي أرضي و جنّتي المحروسة التي لم يكتب لي الظفر بها .. 
هي وجهة القلب في كل حين و شوق العيون .
هي ملكي و أنا ملكها .
و قد كتب ربها أن تكون محروسة بدعواي ، و أن نلتقي في نفس المصير ، و أن قدرها هو قدري ، و أن بقاؤها هو فنائي ، و أن دمي محرّم على الكل عِداها و أني أحبها و سأبقى ..
و قد شاء ربها أن أن تكون أرضاًّ للمعركة .. و شاء أن تكون للمؤمنين مقاماً .. و للمشتاقين رجاءاً .. و للحالمين وصالاً .. و للطامعين شراً أمل بعيد ليسو ببالغيه  .. و أن تنتهي كل الرحال اليها .
.....
في أرضنا المقدّسة ..
تغلب الشهامة كثرة الوحوش .. 
و تنتصر صرخة غاضبة على جحافل كبرى ..
في أرضنا ..
أم الشهيد عندما تثور ، يكابد السفّاح ويلات الثبور .
و تمتلئ القبور .. 
بشهداء يسعى بين أيديهم النور .. 

و إن جفّت دموعٌ تجري دماء طاهرة ..
و إن جفت دماءٌ ترتوي الأرض بسيل من أدمع صادقة .. 
بل حمم حارقة ! لعدو مدجج يهاب الحجر .
يا قدسُ 
يا ملتقى لدعاء أرواح تشتهي الخلود ..
و تشتري الأوطان ، في بيعة لا تعرف الخسران .

لطالما تساءلت .. 
لماذا يصبح الأمر صعباً على قلمي الذي لا يهاب شيئاً عندما يكون الأمر (قدسٌ حرةٌ ) هي عنوان المقالة و محتواها ، مع تواجد عنفوان المشاعر ، إلحاح الرغبة في نفسي .. أعجز أن أترجم كل ذلك إلى كلمات عابرة .. و يأبى أن يسعفني القلم إلّا أن تنطلق دعوة قلبية إلى رب الوجود بنصر قريب و سجود في أقصاها المبارك .
...

عذراً فقضيتي ليست للبيع و قلبي لا يشترى بكنوز الدنيا و إن زادت .. أما عن فكري فهو منطقتي المحرمة و ليس أمثالهم يعبرها .. مغلقة بأسوار و حدود تشبه تلك التي تطوّق ما يسمونه "دولتهم" .. بل هي أرضنا و ستعود .
فلتسلمي في كل حين .. يا أرضَ كلّ الياسمين .

الاثنين، 26 أبريل 2021

قبل البداية إلى ما بعد النهاية


أين كانت البداية في حكاية الزمان على هذا الكون ؟ هل كنّا نحن البداية أم هناك من جاؤواْ قبلنا ؟ كيف بدأت الأحداث على وجه هذه الأرض التي نعيش عليها و كيف ستنتهي الحياة على سطحها ؟ و هل بعد النهاية تكمن بداية أخرى أم هي نقطة ينتهي عندها الكلم و تفنى من بعدها الحوادث ؟

تساؤلات لطالما حاصرت أدمغتنا منذ بداية تكوّن إدراكنا و ربما حتى هذه اللحظة الراهنة لا نزال نبحث عن أجوبة بعضها ..

البعض منها قد توصلنا إلى إجاباتها و أسئلة أخرى نزال لا نجد لها جواب شافٍ حتى الآن .. و جزء آخر أصابنا بالحيرة بسبب تضارب الروايات و الأحاديث حولها و كثرتها 

و في رحلتنا للبحث ، و لأننا في زمن حلّ فيه الإنترنت محل المكتبة إلى حد لا يستهان به ، فنلجأ في كثير من الأحيان لنفتش في صفحاته و تبويباته عن ما يزيل الشك عنا و يمنحنا الإجابة و المعرفة ..

"قبل البداية إلى ما بعد النهاية"

هو خير مثال على احتواء الانترنت على ما يفيد العقل و يوسع مداركه .. هو برنامج انطلق مع بداية هذا الشهر الفضيل على قناة ختلة في منصة يوتيوب التي تعدّ أكبر منصة لعرض الفيديوهات على الشبكة ، يتناول البرنامج شرحاً مبسطاً و يطرح كافة الروايات و الآراء حول بداية الخلق و نشأة الحياة على الأرض و تسلسل الأحداث على متنها من منظور ديننا الإسلامي الحنيف و ما نستمده من العلوم المختلفة منه ، كما تحدث البرنامج الذي وصل إلى حلقته العاشرة عن بداية ظهور بعض الأمور في حياتنا مثل اللغات و السحر و الرسوم و النقوش و غيرها من الأمور ، و يتناول حقائق تتعلق بالمخلوقات دون البشر كالملائكة و الجن و الشياطين .

تختلف المدة الزمنية لكل حلقة تبعاً للموضوع المتناول و كمية المعلومات المعروضة و لكن يمكن أن تتراوح مدة الحلقة ما بين (10-40 دقيقة) حسب ما ذكره مقدم البرنامج .

رأي شخصي ..

برنامج قبل البداية إلى ما بعد النهاية من البرامج التي اعتمدت مشاهدتها في شهر رمضان لهذا العام بعيداً عن ما تمتلئ به الشاشات من مسلسلات لا فائدة منها و لا قيمة تحصل عليها من جرّاء متابعتها ، تابعت حلقة تلوَ حلقة بكل تشوّق إلى ما سيعرض فيها ، و خرجت منه بالكثير من المعلومات القيّمة و التي تفاجأت ببعضها لأول مرة ، هذا البرنامج قد جعل  قائمة مشاهدتي في هذا الشهر ذات معنىً و إفادة ، و شجعني على البحث و التبحّر في العديد من القضايا و الموضوعات المطروحة من أجل الحصول على المزيد من المعلومات و الأدلة .. لذلك وجب أن أنصح من يشاهد و يقرأ هذه السطور بمتابعته لما فيه من دقائق ستكسبه المزيد من المعارف و العلوم بإذن الله .

نبذة عن قناة ختلة على اليوتيوب :


قناة ختلة هي قناة مختصة بطرح المواضيع العلمية بطابع ديني استناداً إلى الأدلة البيّنة من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة ، كما تناقش القناة العديد من النظريات العلمية المنتشرة في زماننا و تخضعها للأدلة الدينية الصحيحة و تقديمها بأسلوب شيّق و بسيط يلج إلى الأذهان بكل يسر ، و اشتهرت القناة بمحاججة المخالفين لها فكرياً بالمنطق .

من أهم المواضيع التي تتبناها القناة هي الأرض المسطحة و التي عرفت بها في أوساط اليوتيوب .

يمكنكم مشاهدة البرنامج عبر زيارة الرابط التالي :

https://www.youtube.com/channel/UClLkpmzlwBnPv0h2Uf9XAhw/featured

الخميس، 11 مارس 2021

الإسراء و المعراج

بسم الله الرحمن الرحيم

"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" سورة الإسراء ، الآية (1) .

...............................................................................................

و مع ختام يومٍ يحمل تاريخاً مميزاً عند جموع المسلمين ، تاريخ يحمل معه ذكرى عظيمة تذكرنا بنبي و معلم عظيم حمل على عاتقه هم هدايتنا مع السابقين من قبلنا ، و تذكرنا هذه الليلة كيف يكون الفرج من عند الله مهيباً و المواساة جليلة ، فلذلك لا بد لنا من الحديث عن هذا الموعد المقدّس حتى لو كان بإيجاز لنعبّر فيه عن شوقٍ امتلأت به قلوبنا و عن يقين تزهو به نفوسنا .

فعندما اشتدّ الهم بنبينا و أثقل كاهله الحزن في عامٍ فجع فيه بأحبائه ، أكرمه الله بحادثة الإسراء و المعراج ، تلك المعجزة التي شُرِح بها صدر النبي الكريم و سرّي بها عنه ، و أبدل فيها غله إيماناً و حكمة . 

 و أظهره الله على قومه بالحق و الإعجاز بعد إعراضٍ شديد من حاشية الطائف ، و أذى قريش الذي لا يهدأ ، فحاز على النصر و التأييد من رب العباد و الملائكة أجمعين ..

 و ارتقى مع جبريل فالتقى انبياء ربه في السماوات العلى بفضلٍ من الله تعالى عليه ، حتى بلغ عرش ربنا فأُنطِقَ بالتحيات فكان ردّ نبينا "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ".

 هي رحلة أشهر و ليال طوال في ليلة واحدة ، ما بين مكة الطمأنينة و قدس السلام ، أطهر بقاع الأرض و أحبّها لكل مؤمن ، أراضٍ بالمعجزات و هدي الأنبياء معطرة ، و تاريخ مشرقٍ بسّام ..

و برحمة ربنا قد قاربت الرحلة على الإنتهاء بعد يسرٍ و فضل من الله لنا ، بخمسين فرضاً قلصّت إلى خمسٍ يكتمل بها اليوم و ليلته ، خمسٌ فيها رواحنا و ارتياحنا ، خمس تتجدد فيها صِلاتنا بخالقنا و تترسخ بها عقيدة الإيمان في قلوبنا .

سلام عليكم معشر الأنبياء الكرام و نبينا المختار المصطفى خاتم هذه الرسالة المقدسة ، و رحمة للعالمين .

و بهذه المعجزة نحتفي ، و بدين الله تشرق حياتنا و بذكرى نبينا عليه صلوات الله و سلامه تسعد قلوبنا و تضحك أعيننا ، و لكل حدث من سيرته الطيبة مكانة سامية في قلوبنا .

السبت، 27 فبراير 2021

إلهام الدروب

 نكتشف في كل مرة أننا لا نزال بحاجة إلى التعرف إلى بعضنا عن قرب ، نحتاج لأكتشاف ذواتنا و اكتشاف الآخرين ، فالتقارب بين الشعوب و بالرغم من كل ما توصلنا إليه من تطور في عالمنا الحديث اليوم لا يزال غير كافٍ ، لأننا في أحيان كثيرة نستمد معلوماتنا من المصدر الخاطئ أو ربما قد لا يكون مصدراً كافياً للحصول على المعلومة المنشودة بشكلها الكامل .

من أجل معرفة الشعوب لا بد لنا من الإقتراب الحقيقي منهم و الإنخراط في تفاصيل حياتهم ، فهناك جوانب معنوية لا يمكن أن تتضح و تصل إلى إدراكنا عبر شاشة مرئية أو من وراء كتاب ، إنما تُرى و يتم الشعور بها من خلال التجربة و المواكبة الحية حتى تنتقل إلى أعماقنا ، فالتاريخ يؤخذ من أصحابه ، و المعلومة تؤخذ من أبناءها ، و الكتب تروي تفاصيل هامة لا يمكن التغاضي عنها و لكنها أيضاً تغفل عن شرح ما ترويه العيون و ايصال ما تنشده الأفئدة في أحيان كثيرة ، لا يستغني اللبيب عن جميعها ، أما البسيط فبنظرة سطحية يكتفي .

لدى كل شعب الكثير مما يجعله مميزاً عن غيره ، روايات و عادات و أمور لم تكن بالحسبان ، و إن كنّا بتقصيرنا نرى في بعض الشعوب تشابهاً كبيراً أو حتى تماثلاً مع أخرى ، و لكن التشابه لا يمكن أن يكون كلياً ، لأن أفراد المنزل الواحد مهما تشابهواْ فهم مختلفون ، نعم جميعهم يتشاركون ذات الحس الإنساني معنا و لكن لا خبرة تأتي بلا تجربة ، فالقصة بدأت من آدم ثم اختلفت الروايات من بعدها و تنوعت و ازدانت بألوان متباينة ، و ما عند قوم قد يخالف ما عندك ، لكن لابد ألّا يمنع ذلك المضي في ثقافة الاستماع للغير ، لابد أن لا يشكّل الإختلاف حاجزاً بيننا و بين أحدهم في مكان آخر ، فالمعتقدات هي من تعرفنا على آيديولوجيات الآخرين و تعطينا نبذة عمّا يفكرون به و يؤمنون به ، و تفتح لنا صناديق التفكير و الحوار التي ظلت مغلقة بالشمع لأزمنة طويلة .

أما الإيمان فلا يمكن أن يفقدنا الرغبة بالمعرفة على الإطلاق ، و لا يجب حدوث ذلك لأن الإيمان يحرك المعرفة و السعي إليها ، لأن الدنيا رحلة تعارف و تعلم كما جاء في توجيهات ربنا الحكيم في محكم تنزيله : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ، لذلك بإمكاني القول أن ديننا الحنيف هو الراعي الأساسي لهذه العملية الضرورية للتقدم الحضاري و التعايش السلمي .

 خلقت الأرض لنا .. لنعيش معاً و نتقاسم مواردها و أيامها و علومها ، لنتقبل كل اختلافاتنا كفطرة ضرورية خلقت معنا ، و ننشر من عبير ثقافاتنا  ما يمحي كل لبس و سوء فهم قد حدث أو قد يحدث .

لا تقتل فضولك تجاه الحضارات المختلفة - فالمعرفة هي الأهم ، هي رحلة حافلة لا تنتهي حتى تضع لها أنت حداً ، تستمدها من كل ما حولك و تستمد طاقتك نحو الإستمرار في هذه الحياة منها ، نعم هي الإلهام .

و فيما يلي فضل الساعي إلى العلم كما ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم تسليماً كثيراً :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا به إلى الجنة» (رواه مسلم). 

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» (رواه الترمذي).



الجمعة، 12 فبراير 2021

ايلان .



رأيت منظراً مشابهاً من قبل .. مشابه لدرجة عميقة من الإختلاف ، و مختلف لدرجة يسخر بها من عقلي !

بين طفل ينام هانئاً لا حمل على ظهره و لا هم يستوطن صدره ، و طفل آخر نائم في مكان بعيد عن دنيانا ، ليس في فراشه الصغير و لا بداخل حضن أمه الدافئ ، و ما الفرق إذن ؟

جسد يحمل روحاً باسمة و جسد آخر ساكنٌ لا روح فيه .. بلا نفس .. بلا أحلام .. بلا أي شيء ، تتلاطمه الأمواج ككومة خردة لا مالك لها ، أين اختفت روحه و أنفاسه .. عارٌ على أرواحنا السؤال و الإجابة ، يا وردة من أراضي الجنة .. وردة فقدت جذورها فماتت غرقاً في دنس دنيانا .

 اذهب .. و أخبر الله بكل ما رأيت .. بمشاهد لا تتسع لها عينيك الضئيلة ، بأم لم تشبع منها ، بأبٍ لم تشاهد ابتسامته ، بوطن لم تعش على أرضه و لم تنعم بخيراته .. لم تحفظ نشيده و لم تتغنى بانتمائك له ، أخبر الله بكائنات لا ترحم و محيط شديد البرودة ، و إن كنت هنا ، و إن كانت لي فرصة ، لكنت وهبتك ما سلبوك إياه ، حياة ، أم ، أب ، وطن ، أمان لم تعشه على وجه هذه الأرض فقط إن ...

و لكن ما السبيل ؟ و كيف الحيلة ؟ فسفننا لا تشتهي و لا تتحرك لها الرياح طوعاً .. انها فقط تغرق !!

رسالة اعتذار ؟ و كيف يكون التعذر من روح فارقتنا مبكراً قبل أن يصبح الصبح ؟

تجبرنا الحياة على طرح أسئلة كثيرة لا تنتظر لها أجوبة ، أسئلة بلا قيمة و لا معنى و لا فائدة و لا أثر ، حيرة لا تنتهي بل تتجدد مع الأيام ، ترتدي كل يوم حلة جديدة نصطدم بها فنفقد القدرة على النطق و استنزاف حروف اللغة كما تعودنا .

بعداً لجغرافيا ظالمة حددت أجوبة سوداء مجحفة لأسئلة لا يجوز الإجابة عنها ، بل لا يجوز أن تطرح من الأصل ، بعداً لأتباع يحفظون الكلمة بلا إدراك .

و إلى جنات الخلد إيلان و رفقائك من الملائكة الصغار ، الذين حلواْ ضيوفاً على عالمنا فلم نحسن الضيافة .

لا يتبع ...


السبت، 23 يناير 2021

غدو و آصال على البحر

 


إن البحر آية كونية تطيب لها الأنفس و تميل اليها .. تنطلق من أعماقه سيمفونية فاتنة ، و تهيج له معان فلسفية عميقة ، و يشكل لحظات من الارتخاء بالغة الضرورة لإنسان بسيط جاء يتخذ من موجه و رماله استراحة نهارٍ لروحه المنهكة الضجرة .

و حينما تتعامد الشمس مع أجسادنا و ينتشر عنفوانها الأثيري في عروقنا .. لا تسمع أذناي سوى صوت الطبيعة الغنّاء تلهج بالتسبيح لخالقها على لسان كل مفرداتها ، و طيور مهاجرة تنشد ألحاناً تتمايل لها شجيرات الصبا طرباً ، هو عالمٌ لا يعرف الإضطراب ، عالمٌ متحيز لي فقط ، و لا أرى سواه بمقلتي المتلذذتان بسحره الخلاب ، تضحك لي نسائم الأصيل عندما أحييها ، تتصاعد أمنياتي مع كل أنفاسي فتهيم السحاب بها و تمنحها عناقاً دافئاً و ترجعها إلى حيث أودع أحاديثي و دواخلي .. إلى البحر .. حيث أنتمي .

أما عندما يسدل الغروب رداءه الزاهي مترفعاً في وسامة طاغية ، و تشيح بوجهها أمواج البحر في خجلٍ في محفل لوداع شمس الكون في فصل لا بدّ من اكتماله في هذه الحكاية .

هي لحظات و دقائق و ساعات لطالما استولت على عيون البشر و عقولهم ، و استنطقت أقلام شعراءنا غزلاً في محاسنها .

أناسٌ لا يحبون الرحيل و لكنهم لرحيلك يودّعون مبتسمين ، و يذكرون الله خالقكِ و خالقهم بمهابة و خشوع يلفّهم كما تلتف أثواب ملونة حول السماء في مشهد يظل يأسرنا بحذاقة في كل مرة .

و في وداع البحر نأخذ من بعضه صدفات تحمل أصوات موجه ، نحتفظ بها حتى تعيش معنا يا بحر في كل ثانية و نطلق سلاماً يجوب ليصل إلى كل سكان أعماقك الآمنين ، 

سلاماً يا بحر يا موطني .