السبت، 24 سبتمبر 2022

أنت تستحق الخلود

 تكبر في هذه الحياة وتمضي أيامك ساعياً لأن تكون مميزاً، وأن تكون حكايتك التي أنت بطلها أسطورية تخطّ أحداثها على ذاكرة الزمان، وتظن أنك في طريقك إلى هذه الصورة اللامعة وأن كل سعيك ينصب عليها ويؤدي إليها -أو هذا ما تخاله على الأقل- .

وفي لحظة مباغتة من الزمان تتوقف عن السعي، تتخلى عن توقك إلى هذه الحكاية وترضى بحياة أقل من عادية .. حياة بلا معالم .. ميزتها أنها سهلة ومريحة .. متاحة وسريعة كأي اختراع جديد وُجد لإراحة البشر وتخليصهم من المعاناة المزعومة .. او فقط من أجل إنتاج المزيد من جينات الكسل بداخلهم وتحفيز السعي نحو الراحة .

مثير كيف تحوّل كل توجهك من التميز والتفرد ، إلى السائد والمريح !

في الحياة قصص شتى، قصص تموت بموت أصحابها وقصص تحيا بعدهم تظلّ تُذكّر بهم وتنادي بأسمائهم، ومن الحياة تعلمنا أنّ الكثير من القصص العادية هي قصص قصيرة الأمد لا تعرف للخلود سبيلاً .. ولا يخلد فيها إلا من كانت قصته مختلفة، وحتى تلك المعاناة التي تظل تهرب منها كطفل هارب من وحش يختبئ تحت فراشه هي ما سيبقى ذكرها، هي ما ستختم قصتك بختم الخلود .

يقال القصة لا تموت .. لا، بل تموت !

عندما تكون القصة انعكاساً لأخرى وأخرى في مرآة كبرى، ستموت بلا أدنى شك، عندما تكون القصة مصبوغة بلون واحد بين مثيلاتها لن تُرى ولن تُميَّز على الأرجح، عندما تكون القصة ذات عنوان وفصول وبداية وخاتمة مألوفة جداً .. ما الذي سيجعل منها قصة تستحق البقاء والإطلاع ؟

و أنت عندما تكون فلاناً آخراً، كيف ستُعرف ؟ هل باختلاف الحروف في الأسماء ؟ أم بتباين الجغرافيا على الأرض ؟ عندما تكون نسخة من فلان الذي سبقك والذي يجاورك والذي سيأتي من بعدك .. ما الفرق حينئذ بين نسخة جيدة وأخرى رديئة ؟ أليست نسخة في الأخير ؟

واعلم أنك تستحق الخلود بين الأجيال، واعلم أنك لم تُخلق لتفنى وتتلاشى بقاياك كرماد أحالته الرياح إلى غبار وأحاله الوقت إلى عدم .

....

"واعلم أن كلُ نفسٍ ذائقةٌ الموت لكن ليست كل نفسٍ ذائقةٌ الحياة." 

- جلال الدين الرومي.

السبت، 17 سبتمبر 2022

طقس شكر (2)

تساءلت كثيراً من قبل .. ما الذي يمنعنا عن قول الكلام الحسن لغيرنا ؟ ما الذي يحول بيننا وبين إسعاد الغير بكلماتنا ؟ ما الذي يجعل من الإطراء على أحدهم بعبارات مثل "تبدو رائعاً اليوم" أو "تمتلك ابتسامة مميزة" أمرٌ في غاية الصعوبة ويتطلب مجهودات منهكة للنفس؟
إيماني بقوة الكلمة ورسوخها في جدران الذاكرة أمر لا أنفك اكرره في كل حين، هناك كلمات تبث الحياة فينا وأخرى تدمّر ما تبقى منا، وكلها تتشارك في سمة واحدة وهي "قوة التأثير" .. الكلمات فعلاً مؤثرة !
في طقس شكري لليوم، أقدم شكري إلى من أهدتني عبارة رسمت في وجهي ابتسامة حقيقية، لتلك التي فاجأتني بكلماتها اللطيفة، وتلك التي قدّمت لي الغذاء اللفظي الذي أحتاجه في يومي، لمن قالت لي "أنتِ جميلة" في الوقت الذي لم أعتقد فيه ذلك .. في اللحظة التي لم أتوقع فيها ذلك .
لتلك الجميلة قلباً وقالباً وتلك الأخرى مثيلتها، أنتنّ الأجمل بكلماتكن التي عاشت معي حتى هذه اللحظة .. كلماتكن التي دفعتني لأكتب لكنّ هذه الكلمات التي قد لا تصل ولكنها دين عليّ وفاؤه .
ولأن في حياتنا كلمات نفيسة شقّت طريقها برقّة نحو قلوبنا، وجب أن نتخذ للشكر سبيلاً لا ينقطع، أن نقدم واجب الإمتنان دون تسويف، وأن نقابل الكلمة بكلمة أجمل منها، وجب أن نشكر الخالق ومن بعده القائل واللغة وكل ما كان سبباً في وصول هذا الأثر لدواخلنا، وأن نكون سبباً في نثر آثارمنعشة أخرى من حولنا .
أمامك فرصة الآن .. كلمة لطيفة بأثر كبير .