السبت، 28 مايو 2022

رسالة إلى وطني .. قد لا تصل !

 تأسرني تلك التفاصيل الصغيرة التي تحتضنها بحميمية بالغة، تلك التفاصيل التي قد تكون غير مرئية للغير ولكنها لي الحياة بما فيها.. أغوص فيها وأعيشها.

كيف تعصف بي أفواج الذكريات لمجرد رائحة، نسمة هواء، نكهة، مشهد، رداء، كلمة ! كلها عناصر لا تعني شيئاً للكثير ممن يعيشون معنا، ولكنها كافية لتغرقني بوابل من المشاعر الغزيرة، مشاعر شوق وشجن، حب وأمل وكل ما هو ... لا أعلم !

في كل مرة أُسحر بنفس الطريقة.. كل يوم تلاحقني أطيافك.. وكل ليلة تستلمني الذكريات وتربّت عليّ بلطف لتواسيني .. لتمنحني بصيص أمل ووعد بلقاء قريب.. لقاء يشفي قلبي الذي أنهكه البعد .. قلبي الذي يستنشق كل شيء تكون فيه ويراك في كل شيء !

كيف يمكن أن يتغير طعم الأكل ؟ كيف يمكن أن تتغير رائحة الهواء ؟ كيف يعقل أن تتبدل الأشياء غير الأشياء في حضرتك ؟ كل شيء بداخلك مميز وكل ما هو خارجك بلا ميزة .. هل هو حقيقي أم من اختلاق عقلي ؟ هل تفرض عليّ الغربة قواعداً كونية تختلف عن تلك التي تسري على بقية البشر ؟ هل تسللت الغربة إلى أعماقي وأخمدتني لتحييني قطعة حلوى اعتدت أن أسلتذ بها وأنا أتأمل سماءك ؟ لهذه الدرجة من العمق .. بهذه الكمية من التأثير !

أصارحك.. إن ذاكرتي لا تعمل جيداً ..تكاد تكون معطوبة إلا فيما يخصك .. كل المشاهد على أرضك لا تفارقني .. أستعيدها كما هي بذات زخم اللحظة الأولى .. كأنني أعيش المشهد لأول مرة في كل مرة .. يا لك من حبيب !

لم أنسَ يا خليل قلبي .. لم أنسَ تلك اللحظات ولا يمكنني نسيانها لأن فيها أنسي في وحشتي، وذرة قرب في بعدي، وبلسم لشوقي، أتذكر ؟ كوب الشاي بجانب النهر .. قرن المثلجات قبل منتصف الليل .. الإستيقاظ مبكراً صباح العيد .. الإجتماع بالأهل والأحباب ليلة الجمعة .. الشمس المشتعلة صباحاً والهواء العليل مساءاً.. الإستلقاء والحديث مع النجوم .. رائحة المطر .. السمك على الفطور .. التزيّن لحضور حفل زفاف .. يوم الزيارات والطواف على المعارف .. المبيت في منزل جدتي .. الخروج إلى الدكان في آخر الحي .. زحمة الطريق وأزمة الأبواق .. التصبب عرقاً في كل مشوار .. الإستماع إلى الشعر ليلاً .. وإلى الأناشيد نهاراً .. البكاء عند آخر يوم لي فيك .. استرجاع كل الذكريات في تلك الساعات ومعاهدتها بأن لا يقربها النسيان يوماً ما .. فأحملها معي وأدسها في حقائبي وأمضي مودعة إياك يا وطني .. بالدموع بالأحزان .. بالإمتنان بالدعاء .. بابتسامة مؤلمة حتى لا تحزن عليّ .. حتى لا تقلق عليّ .. لأقول لك أنني بخير .. وأنني أتطلع لملاقاتك قريباً جداً .. وإن لم أعلم ما تخبءه لي الأقدار .. ولكنني سأحاول العودة بشكل ما .. بشتى الطرق .. لأن كل طرقي تؤدي إليك .. أحبك، رفقاً بي .

أوصيت زوارك من بعدي بأن يجلبوا لي شيئاً فيه بعض منك .. خرقة من الذكريات ربما.. أو أقل من ذلك، كان ذلك ظاهري وفي باطني كنت أوصيهم عليك .. أوصيهم بأن يزرعوا طرقاتك ورداً .. بأن يهدوك قبلاتي .. بأن يحفظوا لك جميلاً ..بأن ينقلوا عنك كل حسن ويذبوا عن المكاره . 

كنت أحزن على بعدي عنك، وأحزن على حزني عليك .. والآن أبكيك دمعاً في كل يوم .. أبكي طرقات قد أُسقيت بالدماء فما ارتوت .. أبكِ نهراً عليلاً تحول إلى مقبرة .. وأبكي على اليتامى وبائعي الطفولة مقابل كسرة خبز .. الطفولة تباع وتشترى في وطني .. الأرواح تفنى ويبقى الوطن .

الأحد، 15 مايو 2022

إن للعدالة ألواناً

 عندما امتزج الأصفر بالأزرق انفجر الكون تعاطفاً، طوفان من الدموع الكرتونية انطلق مكتسحاً الأرجاء، وعن أرض شرقية مقدسة تنزف كل يومٍ دماً أحمراً أشاحت الأعين وتنازلت القلوب !

عن أسوَد يعيش في أرض بيضاء ثار العالم في وجه السلطة، وعن آلاف السود في أرض السمر عميت الأبصار وصمتت الحناجر، يصرخون : "حياة السود مهمة!" ماذا عن حياة البقية ؟ أليست بذات الأهمية ؟ أليس للكل أحقية متماثلة في الحياة ؟ ماذا عن الهنود الحمر مثلاً ؟ ماذا عن العربي الأسمر ؟ ماذا عن الهندي الموحِّد ؟ تتغاضون عن كل أولئك وتتباهون بعدالة قضيتكم .. أين العدالة في انتقائية تطبيقها ؟ أين العدالة في تحديد جغرافيتها ؟ أين العدالة في حصر مسمياتها ؟ ووسط كل هذه الصيحات الضائعة تضيع حقوق وحقوق كل يوم .

لا عذراً على قساوة الخطاب فما تأتوتنه أشدّ قسوة وسوءاً .

الثلاثاء، 10 مايو 2022

الوهم هو الحياة !

غارقة في الوهم لأعمق نقطة .. لأبعد حد !
كلما حاولت استعادة شيء من اتصالي بواقعي أعود للغرق فيه من جديد بكل جوارحي، وتسألني عنه .. هو الداء والدواء معاً .. هو القمة والقاع سوية .. هو كمخدر ما إن يسري في الجسد حتى تنتشي معه دواخلي ثم ترتخي لتوقعني في شباك إدمانه بلا خلاص !
بدأ الأمر بتسلله خفية إلى داخلي، حتى هيمن على كياني وتشرّبه قلبي .
لا أريد إبعاده ولا يريد الفكاك مني .. ولكن !
أليس هذا الواقع الذي أتهرب منه هو الحقيقة التي تستوجب المواجهة، أليس البقاء هارباً هو جُبن لا ترجى عواقبه ؟ أليس هذا الواقع هو تجسيد للرتابة والسواد والنوائب والواجبات والإنهاك ؟ ألسنا نحاول التماس بذرة من أمل من ذلك السراب الزاهي بداخلنا حتى نحيي ما تبقى من أرواحنا ؟ ألسنا نجد ما بحثنا عنه سنيناً في الواقع على طبق من ذهب في الخيال ؟
وما إن نعود لواقعنا .. نعود للبحث والتخبط من جديد !
في أيهما نعيش ؟ وهل الموازنة خيار ممكن الوصول إليه ؟
أريد لحقيقتي أن تتشبع بأوهامي .. وأريد لأوهامي أن ترتدي ثوب الحقيقة .. وأريد أن أكون أنا .. و"أنا" تريدني أن أكون هي !
أصارع رغباتي وتصارعني، أحاول خفض سقفها وإخضاعها لقواعد الواقعية، وتحاول هي انتشالي من محبسي وتحريري من لجامي، وكيف السبيل إليها وكيف السبيل إلي ؟
أريد الحفاظ عليك يا عالمي .. بعيداً عن الواقع وحراً من القيود .. أريد الحفاظ على حضن أرتمي إليه لما تقسو عليّ وقائع الحياة، كحبّ تحرمه التقاليد فأبقيه سراً نزيلاً في قلبي، كمرآة أرى فيها نفسي مجدداً بعد أن اعتادت عيني رؤية الكلّ عِداي، كخلوة في مصلّاي أطرح فيها همومي وأتطهر منها .
أما أنت يا واقعي .. سألتفت إليكَ يوماً ما .. عندما تلتفت إليّ .

الخميس، 5 مايو 2022

تساؤلات قلبية

 عجيب .. إننا لا نصدُق مع من نحب إلا عندما نحسّ بقرب فقداننا لهم !

عندما نقترب من الرحيل تصبح كل المشاعر صادقة وتطلّ علينا تلك الحقيقة التي لطالما أسدلنا عليها حجاباً غليظاً يحجبها عن كل الكائنات .. لكن لماذا نفعل كل ذلك بأنفسنا ؟

لماذا أصدق المشاعر تلك التي تبين عند الوداع ؟

لماذا أصدق الكلمات تلك التي تقال بجوار الجنائز ؟

لماذا تختبئ الدموع دهراً وتظهر في تلك المواطن فقط ؟

هل الامر حقاً بهذه الصعوبة ؟ أم أن الأمر مرهون كلياً بنزعاتنا المشوهة من حصاد تلك الروادع الإجتماعية التي زُرعت بداخلنا عنوة منذ نعومة أظافرنا وصِبا قلوبنا ؟

هل نخشى على قلوبنا من الإنتهاك حقاً ؟ أم نخشى من تعرية مشاعرنا أمام الآخرين حتى لا نُصفَع بريح العار بعد ذلك ؟

هل الأمر أبسط مما نظن ؟ أم أن أذهاننا ترسم ألف مشهد ومشهد مجازي لتكسو الأمر ثوباً من العسر الذي لا يطاق .

المشاعر يا فتى لا تستحق الرجم .. لا تستحق الطمر .. لا تستحق الطمس بالتغافل .. لأن فيها حقيقتنا وكيان أرواحنا، والتنطع في التأجيل يسلبها الحياة شيئاً فشيئاً حتى تموت ليحيا مكانها شبح لا يشبهك، شبح ينتحل جسدك ويستولي على قسمات وجهك .. شبح بلا مشاعر وبلا أدنى مظاهر للحياة، شبح ميت بجسد حي .. وما أحياه إلا إماتتك لذاتك .. لحقيقتك .

لماذا لا تطلق العنان لقلبك ؟ لماذا لا تمنحه الحرية ليشعر ويحب ؟ لماذا تظل تكبحه وتبالغ في إخفاء حقيقة ما يشعر ؟ لماذا تُسكت النبض الشغوف إذا انطلق عازفاً ؟

 إن لم تصدق مع الآخر فاصدق مع نفسك على الأقل .. اعترف بمشاعرك أمام نفسك ولا تشِح بنظرك بعيداً متهاوناً .. وتذكر أنه لا خير فيمن لم يخالل نفسه، لا خير فيمن صدّ عن قلبه .