الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

فضفضة : مرحبا بك في دنيانا !

 في لحظة خانقة من الزمان .. أود فيها أن أهرب بعيداً .. إلى الجبال ربما أو السماوات .. إلى أبعد نقطة ممكنة ، لأتحرر من كل شيء . و في لحظة أتملص فيها من كل مسؤولياتي المضطربة و من كل عذر يقوّض حريتي ، لأعتنق التنفس من جديد ، لأكون أنا ، و أكون أنا كل شيء ، لأهذي و أكتب و أدندن ، أو لأمارس الصمت بلا هوادة ، لأختلي بروحي اليتيمة و أعطيها الأبوة و الأمومة ، لتجمعني المؤاخاة مع أوراق الشجر ، مع قطرات المطر ، مع ذرات الرمل ، و لأحلق مع السحاب بعيداً عن أي مما يخص البشر .

أما في واقعي ، فينتشلني الخيال في كل مرة تكاد تغرقني الحوادث ، يساعدني على التعافي شيئاً فشيئاً ، يسافر بي إلى أرض الوطن و الجنان العلى ، يجمعني بمن أحب ، و يقحمني في رواية أكون أحد شخوصها أو جلّهم ، لأجسد ملحمة أخرى تختلف عن تلك التي أزاولها على أرض الواقع .

يراودني تساؤل عميق .. لماذا نتوق للوصول إلى الحقيقة و التنقيب عنها في حين ، و نودّ الهروب منها و التخلص من أغلالها في حين آخر ؟ حقاً لماذا ؟

لماذا نعيش حياتان و نضيع بينهما ؟ لماذا نستدعي الماضي و نسمح له باستدعائنا في كثير من الأوقات ، حتى ندرك عنوة أننا نهدر حاضرنا بلا حق و لا حد .

نحارب من أجل قضايانا ، و نسقط في فوضوية المشاعر و نعلق في ضبابية المشهد ، و نتطلع كل يوم إلى مستقبل أكثر وضوحاً و أقل ضرراً .

نقع ضحية سوء فهم و تقدير ، و نستمر بلوم من هم حولنا على عدم فهمهم لنا ، في حين أننا نحن عاجزون عن فهم أنفسنا بدقة ، فتارة نجد أنفسنا في آية أو عبارة أو في كلمات لأغنية أو بيت شعري عابر ، أو ربما نجد أنفسنا في عيون أحدهم أو صوته ، و ربما نظل نبحث عنها حتى ينقضي بنا العمر و لم تنقضي هذه المهمة بعد .

و نعيش في زمن نغبط فيه الأموات و نتمنى حالهم ، و لكننا رغم ذلك صامدون .. نتمسك بالصبر بشدة و نعلم أن الخاسر هو من أفلته للحظة ، لذلك نبقى و نستمر أياماً إضافية على متن هذه الحياة ، و نستمد القوة من كل ما منحنا إياه ربنا من سبل .

مرحباً بك في دنيانا !

السبت، 13 نوفمبر 2021

تأملات في الموت

 عجيبٌ هو أمر الحياة .. و الأعجب هو الموت !

الموت الذي ربما يطاردك شبحه بضع مرات خلال يومك و نومك ، أو يتكرر عليك ذكره كثيراً من الأحيان ، تدفعه من رأسك دوماً بحجة انخراطك في أمور محياك ، و تدفعك الحياة في مرحلة ما من الطريق إلى تمنيه كراحة طويلة الأمد ، و تخال نفسك ربما أنك في أتمّ جاهزيتك لإستقباله ، و إن ما لوّح لك إذ أنت مذعور لا استعداد لك لملاقاته ، هناك من فكّر فيه مراراً ، و خطفه في لحظة غفل عقله فيها عنه .

أمور متناقضات متشابهات ، و يبقى الموت مصيراً مجهولاً في أذهاننا ، لا نعلم أوانه و لا كيفيته ولا حتى ماهيته ، لا نعلم الكثير عنه إلا ما ذكره لنا ربنا في محكم تنزيله ،  مرتبط بمعان مظلمة و مشاعر عبوسة ، المصير الأوحد الذي يجمع كل البشر.

ماذا يعني .. أن نموت ؟ 

أن نُفقَد .. أن ننتهي .. أن يفنى ذكرنا .. أن يغيّم الشجن حول أجسادنا البالية و تمطر سماؤه دموعاً دافئة .. أن تصبح الأرض موطناً يحتضن ما تبقى منا إلى ما هو آت .. أن نقترب من الوصول شيئاً فشيئاً لوجهتنا الأبدية .. إما جنة أو نار .

أما عن أحوال الدنيا بعدنا ، فسنصبح صورة معلقة على حائط الذكريات ، تلك الذكريات التي أسرتنا و اغتالتنا في لحظات عدة من حياتنا ، تلك التي تمنينا أن تعتقنا يوماً ما حتى نمنا و نحن نلعنها ، أو تلك التي نتوق بشدة إلى استعادة شيئٍ من أثيرها ، سنصبح جزءاً منها لأحد آخر ، أحدهم سيتذكرنا في لحظات عابرة و يحتضننا بدعائه ، و كثيرهم ستنسيهم الحياة ذكرنا ، ستُمحَى من ذاكرتهم أيامنا معهم ، أحاديثنا ، مشاويرنا و جولاتنا ، و آخرون لن نغيب عن بالهم ، سنبقى بقعة شوق و حزن بداخلهم صعبٌ زوالها .

عجباً لزماننا .. ما أكثر أخبار الموت من حولنا .. أحدهم يمسنا و الآخر لا صلة له بنا .. تتهافت الأخبار تلو بعضها حتى صرنا نألفها .. و كأنها جزء من يومنا ، أو قسم أساسي من أحاديثنا ، بل إننا أضحينا نرقب دورنا الذي يقترب في كل يوم مقدار خطوة .. و هل على هذه الأرض ما يستحق الحياة بعد الآن .. أوطان تحرق .. خبز يسرق .

تجري عقارب الساعة سراعى و نلاحقها لاهثين ، أيسرقنا الزمان و نحن صفر على اليمين و على الشمال !

أيجمعنا الزمان مع الصحاب يوماً قبل فوات الأوان .. أو أنه لا أمل إلا أن تلتقي أرواحنا بعد الرحيل ؟

يقال أننا في الجنة سنلقى الأهل و الصحاب .. فيارب هل لنا مكان فيها ؟

يا من خلقتنا و علمتنا الحب .. يا من جعلت التعلق فينا فطرة .. هل من سبيل إلى من تهوى قلوبنا ؟ أم نلقاهم برفقة رسولنا و نور قلوبنا .. في جنة النعيم بإذن كريم منك يا ذو الجلال و الإكرام .

هل سيأتي علي يوم أرى فيه الوطن و أبتسم ابتسامة كاملة الأركان لا زيف فيها و لا اصطناع ؟

أم أنني مكتوب علي الفراق قبل أن أعيش ذلك الحلم !

هل تجعل منا هذه التساؤلات أشخاصاً أكثر جاهزية للموت .. أم أنها تنفرنا منه و تنسينا إياه ؟

و لأنه لا ضمان في دنيانا .. استودعتك ربي حين موتي أن لا تقبضني إليك إلا و أنت راضٍ عني و اجعل لي فيه راحة من كل شر و اجعل آخر كلماتي توحيداً لك و تعظيماً لشأنك .

و هوّن على الأحبة فراقي .. فإنه عليّ هين .. لإن ألقاك ربي أحب إلي من ألف حياة و دنيا زائلة .