الثلاثاء، 31 أغسطس 2021

لماذا أنا إنسان ؟

 يساورني سؤال داخليّ قد يبدو سخيفاً للبعض .. و قد يبدو مريباً لآخرين .. أتساءل عن مظاهر الإنسانية بداخلنا ، عمّا يجعلني إنساناً مثل بقية الناس من حولي ، ما الذي يجمعنا و يشبهنا ببعضنا ؟

هل أحوال النفس التي تتحكم فينا .. هل سلطة العقل على الحواس .. هل سلوكنا البشري المعتاد ؟

.....

كأن تستيقظ ممتلئاً بالأمل و تعود إلى براثن خيبتك مجدداً .. تجرّ ورائك ذيول البؤس وحيداً إلى سريرك ثم تلعن كل الكائنات من حولك ، و تغرق في ظلام مليء بالأحلام ، أحلام تمدّك بالنور الذي تحتاجه لبدء صباح جديد .

كأن ينضب الشغف الذي بداخلك بعد رمضاء الإنتظار و تظن أنك قد فقدته ، ثم تدبّ فيه الحياة على حين غرة على نحو فريد .

كأن يأتي أمرٌ لم يكن متوقعاً .. كأن يفاجئك خبر لم يكن بالحسبان 

كأن تداهمك مشاعر غزيرة من بعد انطفاء مريب دام لأزمنة عديدة .

كأن يتحول الشيء الأهم في حياتك إلى أمر لا يعني شيئاً !

كأن تندم على كلام .. أو تندم على سكوت .. 

أن تندم على "لا" أطلقتها .. أو "نعم" نطقت بها

أن تعيش حلم والدك .. و تدفن حلمك تحت التراب

كأن ينقلب الصديق إلى عدو .

و ينقلب الحال إلى حال آخر معاكس تماماً .

كأن تقف خلف النافذة تراقب سطوع الشمس و غروبها مراراً و تكراراً بلا سآمة .

كأن تهطل السماء بعد أشهر عجاف لتغسل معها أحزانك ، لتخلصك من سطوة أفكارك ، لتذكرك بأن قلبك ما زال طفلاً يهوى اللهو تحت المطر .

كأن يحلّ العيد بعد صوم دام طويلاً .. كأن يحل الربيع بعد شتاء قاسٍ .. و تزهر الأشجار بعد موتها 

كذلك الفشل الذي ألقى بظلاله عليك كالجاثوم ، ثم شهد انتصارك عليه بعد عناءٍ ما كاد ينتهي !

و هل العناء ينتهي قط؟

اعلم .. أن كل خطوة نختارها في هذه الحياة ما هي إلا موافقة نخطّها على سلسلة من العناء الذي لا خلاص منه .. حتى نصل لا بد أن نشقى قليلاً ، لا بد أن نسهر بضع ليالٍ و نقضي أياماً أُخَر محاولين التهرب من كل شيء و الخلود إلى نومٍ مخمليّ ينسينا همومنا .

و لكن الهروب ليس حلاً دائماً .. 

إذا ما قضيت عمرك هارباً ، فلن تتعلم .. لن تتقدم .. لن تعمل .. لن تنجز و العديد من "لن" ستصطف أمامك لتحذيرك من راحة وهمية تبتغيها دائماً .

و لا بد أن أعرج إلى سمات نراها في كثير منا ، و هي امتلاكنا السبل لمواساة الآخرين و عجزنا عن مواساة أنفسنا .

و أن نرى ما يميز غيرنا و نغفل عمّا حبانا به الله من ميزات و مواهب .

أن نطلق أعيننا لمشاهدة نعيم الآخرين و ننسى ما نحن به من نعم .

أن لا نفهم أنفسنا و نصطدم بهذه الحقيقة في نصف الطريق .

كل ذلك ألا يجعل منك إنساناً .. و يجعلني كذلك .

متشابهون و إن اختلفنا كثيراً !

الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

تملك أم أنانية ؟

 هل أسميها تملك مشروع أم أنانية جشعة ؟

في كل علاقاتنا الإنسانية و منذ نعومة أظافرنا و إلى أن اخشوشنت ، كنّا متمسكين بعادة ليست بغريبة علينا .. أحببنا التملك في كل حين و تعلقنا بالأشياء و الأشخاص من حولنا بشدة متمسكين بأحقيتنا بالإنفراد بملكيتهم .

عندما كنا صغار الأحجام و لم يتعدَّ عالمنا اتساع صندوق ألعاب ، أردنا احتكار والدينا لأنفسنا و لو كان ذلك باستبعاد أخوة لنا قاسمونا الخبز عشيةً ، سعينا دائماً لإدامة صورتنا كذلك "الطفل المحبوب" بأعينهم كما لو أنهم لا يملكون في هذه الدنيا سوانا ، ربما دفعتنا  تلك الرغبة المُلِحّة بداخلنا إلى التوغل في وحل الغيرة و ارتكاب الأذية المستمرة مع أشقائنا .

و عندما كبرنا قليلاً و اكتسبنا سنيناً إضافيةً في سجل عمرنا ، رغبنا في الحصول على صديق يميزنا عن جميع الشخوص في حياته ، خليل يقضي معنا كل لحظات عمره بلا مشاركة أي دقيقة مع دخيل آخر ، و نعتبر أي دخيل حتى لو بمصافحة سلام هو عدو لا بد من إبادته .

الكل فينا يحب الفوز الكثير و لا يبتغي سواه و ينفر من الخسارة مهما كان حجمها .. نريد الفوز دائماً و لو كان ذلك على حساب خسارة أحدهم .

 كثير منا أراد الحصول على المال و انفاقه بمفرده على رغباته و حاجاته و هواه ، و كره كل اشكال مشاركة المال حتى و إن اضطر إليها .

و مظاهر عدة تكشف لنا عن تلك الحالة النفسية التي نمر بها جميعاً ، بل دعنا نسميها بكل صراحة ذلك الطبع المتأصل في شخصيتنا الإنسانية البسيطة و يأتي أحدهم بكلّ غرور متغاضياً عن مساوئ شخصيته لينعتنا بالأنانيين أو الجشعين !

بربك يا أخي ما هذه السذاجة في القول ؟

و أنت عزيزي القارئ فكر قليلاً ..

 ما هي التسمية الصحيحة كما ترى أنت لهذه الحالة و ما هي مظاهر حب التملك في شخصيتك ؟

الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

لن نرحل .

حي الشيخ جراح

 تخيل أن تبيت ليلتك دون سقف يأويك و لا نوم يقترب منك ليريح جسدك المنهك و روحك اليتيمة ، و لا هدوء يخمد النيران التي تلتهم جوفك .. تعصف بك الأفكار من كل فج .. فتمسي تلك الليلة هي أقسى الليالي ظلمة في حياتك .

نعم هناك من يواجهون هذا الخطر الداهم في أحياء مدينة القدس و بالتحديد حي الشيخ جراح و حي سلوان .. واقعيون و موجودون بيننا أو بالقرب منا أو ربما تفصلنا عنهم مسافات طِوال .

بعيداً عن السياسة التي لا أريد أن أقحمكم فيها ، أود أن آخذكم إلى زاوية إنسانية تعمل فيها مخيلتكم و تتحرك فيها مشاعركم بعطاء.

ماذا لو كان ذلك الشخص المهدد بالطرد و التشريد هو أنت ؟ ماذا لو طلب منك هدم منزلك الذي يضم أقرب ذكرياتك إلى قلبك ، طفولتك ، عاداتك ، لحظاتك مع عائلتك و أحبتك .

 قف و تخيل معي قليلاً ماذا لو تخلى عنك الكثير من جيرانك بحجة أن الأمر لا يمسهم لأن لديهم منازلهم و أعمالهم و حياتهم الخاصة التي ينشغلون بها عنك .

ماذا إن لم تكن لك قضية .. ماذا إن أصبحت مأساتك هي واقع وحدتك في هذه الحياة .

و تخيل معي في زاوية أخرى .. إن كانت قضيتك هي قضية العالم بأسره ، تخيل إن رفض العالم التخلي عنك و تصدى لذلك العدوان البشع الذي لن تواجهه لوحدك بعد الآن لأنهم سيكونون معك .

تخيل وضعاً يكون فيه مصيرك محتوماً بقرار خصمك .. أن تعيش في مرمى النيران و يلاحقك كابوس الحرمان .

الحرمان من الحياة الطبيعية التي تتمتع فيها بأبسط حقوقك كإنسان يعيش على هذه الأرض و هو جزء منها .. متجذِّر في تربتها و مُسجَّل في تاريخها .

أن تُحرَم من الوطن و المُواطَنة ، التي هي حقك المشروع و دافعك للحياة ، 

أن تحرم من رائحة الجدة و شاي الصباح و فطور رمضان و غداء الجمعة و صلاة التراويح !

أن تُمنَع من أن تكون أنت أو أن تمثل ذاتك و تراثك و عاداتك و كل ما يخصّك و يجعل منك فريداً بين الشعوب و تمحو كل ما هو دخيل عليك ،

 أن تمتثل لكل ما يرونه لائقاً بهم و برؤيتهم العقيمة .

أن تكون أنت الأساس و هم الدخلاء .. و لكنك بشكل ما تضطر للخضوع لهم بلا إرادة منك و في بطش شديد منهم .

أن تتعرض روحك لخطر إزهاقها في أي لحظة بدعوى التمرد و المخالفة لما تريده تلك الوحوش في مشهد يرقص فيه الثعلب المكار بعمق دارك في مرأىً منك و لكن بلا حول و لا حيلة .

تخيل معي أن يتم وصفك بالمجرم و تكون تهمتك هي أنْ قلت "هذا بيتي ، لن أتركه"!!

ثم توقف عن الخيال عزيزي .. و تأمل حولك جيداً .. و كن جزءاً من هذا الحراك الذي نأمل من خلاله حفظ حقوق أُناس مهددين بسلب هذه الحقوق منهم ، مهددون بالإخلاء و التهجير القسري و التطهير العرقي و الهدم الذاتي و التي من المفترض أنها تعد مصطلحات مُجرَّمة في عالمنا بل مُحرَّمة ، فهي وسائل إجرامية بحق كرامة الإنسان و عيشه ، لا يقبل بها الحرّ و لو وقعت على عدوه .

فكيف إن كانت تلك الأم التي تجابه هذه الويلات هي بمثابة أمك ؟

عندها لا تقف صامتاً و شارك معنا عبر هذه الهاشتاقات حتى نستطيع إيصال أصوات هؤلاء الأبطال إلى العالم أجمع :

#أنقذواْ_حي_الشيخ_جراح

#أنقذواْ_سلوان

#أنقذواْ_بيتا

#أنقذواْ_لفتا

و باللغة الإنجليزية :

#savesheikhjarrah

#savesilwan

#savebeita

#savelefta

الثلاثاء، 10 أغسطس 2021

هل تحتاج هذه الرسالة اليوم ؟

 جميعنا نبحث عن قصة نجاح لأنفسنا .. و مقعد راحة أيضاً 

و لكن هل يكفي كل ما نقوم به من جهد  حتى نستطيع تحقيق ذلك ؟ هل تكفي طاقتنا لتجاوز كل تلك الحواجز و العراقيل و الوصول إلى نهاية الطريق ؟ بل هل هناك وجود فعلي لنهاية ذلك الطريق ؟ أم هي بداية أخرى تكمن مع كل مكافأة إنجاز نمنحها لأنفسنا ؟

أنا أؤمن بأن كلّ إنسان يمتلك بذرة نجاح مضيئة بداخله ، و ما عليه فعله هو فقط أن يفتش عنها و يكتشفها ، و هنا ستكون نقطة بدايته ، هنا فقط سيمسك بالقلم و يبدأ بكتابة نجاحاته ، أؤمن أيضاً أنّنا ما دمنا سائرين في هذا الطريق فنحن بحاجة إلى ربنا عند كل مسيرة و محطة ، نحتاج أن يمنحنا الطاقة للمواصلة و نحتاج ذلك الأمان الذي يعتلي أفئدتنا بمناجاته ، و الأمر الآخر الذي نحتاجه هو فكرة ، و الإصرار عليها .

يقولون أن كل مشروع يبدأ بفكرة .. نعم هذا صحيح .. أنت تحتاج إلى تلك الفكرة التي تظل تتجاهلها و تتظاهر بالإنشغال عنها .. تحتاج أن تسعى لها و تصنع لك مصيراً آخر و حياة بِلَون آخر .

أما فيما يخص مقعد الراحة .. فمن يهوى المعالي لا ينبغي أن يتوق إليه كثيراً .. هو فقط حلوى صغيرة تحصل عليها بعد يوم مليء بالعمل .. و منام هادئ تكسبه بعد تعب متواصل .. فقد تعلمنا من كتب التاريخ أن أبطالنا الذين نحتفي بهم هم أقل الناس حصولاً على هذه الإستراحات .. يتملكهم شوق لاذع إلى تحقيق الإنتصارات المتتالية دون توقف .. و هل يفوق ذلك قدرة الإنسان ؟ بالطبع لا ، ما دام أولئك قد تمكنواْ من تحقيقه .

توكّل على الوهّاب ، و اسعَ لتحقيق أحلامك حتى و إن بدت لك مستحيلة ، فهذا العالم لن يمنحك ما تبتغيه إذا ما ظللت قاعداً لا تحرّك ساكناً .. إذا ما طاوعته و فعلت ما يريد هو ، لن تحصل على شيء بالمقابل بل ستمحى من ذاكرة التاريخ سريعاً .. أما إن كنت تؤمن بنفسك .. إن كان حلمك يستحق السعي .. فالتمرد واجب أحياناً .

إن سار العالم إلى حافة الهاوية .. تمرّد و اخلق منطقة أمانك .. و سر نحو ذلك الضوء الذي لا يراه أحد سواك .. لأنه هو الحقيقة و ما دونه سراب .

إنّ عبيد و أسرى هذا العالم يفضلون النوم كثيراً لكي يحلمواْ .. و لكن القلّة هم من يتحدون العالم لتحقيق أحلامهم ، كن معهم ، الأمر ليس آمناً و لكنني أعدك بأنه مجزٍ حقاً .

ستسقط في حفرة .. ستُطعَن في ظهرك و أحياناً في عمق قلبك .. ستتعلم الكثير من الدروس التي لن يكون لديك وقت لمراجعتها كرّة أخرى .. ستتعثر بحجر ما أو عدة حجارة  .. ستمرض و يصاب جسدك بالوهن و لكنك سَتُشفى .. ستمرّ من جنان خضراء و أنهار جارية و ستضطر لمفارقتها فقط لتكمل الطريق .. ستصمت كثيراً و ستحتاج إلى الكلام أكثر .. ستحارب و لن تتوقف عن المحاربة و إلا فستركع خاسراً .. ستجد الحب و الكره .. و تختبر السعادة و الحزن .. و تعيش لحظات من اليأس و ساعات من الأمل ، و الأظهر أنك ستبكي كثيراً ، فأطلق العنان لدموعك و لا ترهنها حبيسةً تحرق جوفك .

إنني لا ألخص عليك مراحل حياتك في هذا النص البسيط ، و لكنني فقط أودّ أن ألفت انتباهك للعديد من المحطات التي من المحتمل أن تصادفها في رحلتك ، و التي أنت تعلمها جيداً و لكنك في كل مرة تتصرف و كأنك تصادفها لأول مرة بسذاجة و جهل غريب ، يجب أن تكون مستعداً لكافة الإحتمالات و دع القدر يحلّ .

نعم ستواجه مواقف لن يستطيع عقلك استيعابها .. لن تتمكن روحك من تحملها .. ربما ستُضيع الطريق و تسير وحيداً تائهاً .. أو ربما ستضطر إلى التوقف و تغيير كل شيء ، و لكنك لن تكون بحاجة إلى العودة للوراء إطلاقاً ، و لا تمتلك هذا الخيار أساساً ، فلا تلتفت خلفك بشكل فارغ ، فالماضي ورقة مطبوعة لن تغير فيها شيئاً .

 لا تتخلى .. لأن الأصعب من كل ذلك هو التخلي .. هو خسارة باهظة الثمن .

لا تتخلى عما يسعد روحك و يمدها بالطاقة و الدافع ..و تذكر أنك تعمل لآخر يوم في حياتك ، و لما بعده .

إنني أعلم بحق أنك لست بحاجة إلى من يعلمك هذه الأمور .. أو ربما أنك تمرّ بظروف عصيبة جعلتك تشعر بالعجز و تحتاج إلى تذكير بسيط .. فساقك الله إلى هذه الأسطر التي أرجو أن تكون قد أعادت إليك شيئاً من أملك و طاقتك و أن تحقق الأثر المرجو منها ..و بما أنك قد وصلت إلى نهاية هذه الأسطر فأتمنى أن تكون قد لامست شيئاً من قلبك و انتشلتك من تابوت اليأس المعتم و من بعد ذلك فأنا لا أتمنى لك شيئاً أقلّ من السعادة !