الأحد، 13 فبراير 2022

بكينا كثيراً ثم ..

اللحظات التي تلي انفجار شلال من البكاء .. هي اللحظات الأقسى على الإطلاق .. أقسى من الغرق بطوفان الدمع .. تقع فيها في حالة أشبه ما يكون بالموت .. بل أشبه من الموت بالموت !
تتجول كروح عليلة بلا جسد .. فاقداً التواصل مع أي شيء أو أحد قد يصلك بالحياة .. لا تشعر بأي شيء .. لا رغبة و لا تفسير و لا تفكير حتى .. لا شيء سوى رأس معطوب تكاد تخرّ من ثقله .. كل شيء يأتي ثقيلاً عليك .. تنتظر عودة الحياة من جديد ربما .. أو لا تنتظر شيئاً إطلاقاً .. أنت كما أنت لا يتغير فيك شيء .. تصاب بداء الثبات لأول مرة في حياتك .. عند مماتك المؤقت ذاك .. ثابت على الجمود .. جامد على السكون .
لا حركة .. لا شعور .. لا حياة .. لا قلب ينبض .. نعم ، لا تعود لك القدرة على الإحساس بنبضك كما في السابق ، حتى ذلك الإمتياز فقدته .. ثم .. تبحث عن ماذا ؟ عن ذلك الضوء في آخر النفق .. هل هو حق ؟هل له وجود ، أم أنه هراء آخر يضاف إلى كومة الهراء التي يلقيها الوَرديّون من البشر .
لم تعهد يوماً أنك ستقع في سوداوية موحشة إلى هذا الحد أليس كذلك .. يبدو الأمر مفاجئاً ، هل هو ما يسمونه الإكتئاب .. لا تبدو متيقناً من ذلك .. إذن ما هو هذا ؟
....
أهوال النفس و ويلاتها ..
 مساكين نحن لا نستطيع الإستغناء عن ملكة الشعور فينا .. نودّ لو نطفئ الإحساس بداخلنا .. نود لو نستبدل تلك القلوب الحية بتماثيل حجرية أو معدنية .. لا تهم ماهيتها .. ما يهم هومدى صلابتها .. حتى تستطيع تحمل كل ذلك .. و هل ستستطيع !
تدفعنا أحزاننا أحياناً إلى العبث بالقلم مطولاً .. و الولوج إلى بحر اللغة مثقلين .. حتى نخرج منه عراة من كل ما يعتري أرواحنا من سقم .. لأن الورق هو خير من يستوعب أحزاننا .. و ليس سوانا من البشر .. فنحن قادرين على استيعاب أحزاننا الخاصة فقط .. و ليس أحزان غيرنا و بالتالي الأمر عينه مع الجميع.
غريب أن تجد مواساتك من غرباء لا تعرفهم .. و يوجد من يراك كل يوم و لا يلمس الألم الجليّ في عينيك .. عجيب كيف تربّت جملة من كتاب عليك بلطف .. كتاب لا تعرف عن كاتبه شيئاً سوى تلك الكلمات بين يديك .. و لكنه استطاع بشكل ما أن يفضح مكنونات قلبك على تلك الأوراق .. أو ربما فرد في مكان ما أبعد ما يكون عنك .. و خلف شاشة إلكترونية .. تشعر و كأنكما التقيتما في الشعور .. توأم في الهموم و أصدقاء في المواساة .. و لكن بلا اتصال واقعي .. عجيب!
عجيب كيف يرسل الله لك مواساتك من مصادر و أماكن لم تخطر على بالك يوماً .. جميل كيف يمسح على قلبك و يسخر الكون لمداواتك .. و الأجمل هو التجدد من جديد .. الحياة بعد الموت .. و الولادة بعد الفناء .. كل ذلك يستحق أن تشكر الله عليه في كل صباح يُمنح لك .. حافظ على ذلك .
لست أكتب هنا كي أُحزِن قلبك الرقيق .. أنا هنا لأكتب ما يراودني لعلك تجد فيه بعضاً مِنك أو كُلّك .. لعله يكون مواساتك و تسليتك .