الثلاثاء، 19 يوليو 2022

طقس شكر

 في هذه الحياة كلمات لا تُنسى، تقدِّس البقاء وتصرّح كل يوم بأنها "هُنا" معنا وبيننا وبداخلنا .. ويكبر الإيمان بداخلي في كل يوم بأن الكلمات تحيا للأبد .. الكلمات اكسير الحياة .

إنني بالفعل لا أنسى كلماته البلسمية حينها، تلك التي قالها وهمّ بالمغادرة، كان يبتعد شيئاً فشيئاً وتتلاشى صورته من أمامي وتتداخل بين أكوام من البشر، كان المكان يعجّ بالفوضى كعرس غجريّ في المساء، ولكن ذلك لم يمنع عقلي من الحفاظ على هدوئه مع صوت واحد فقط بداخله .. لقد أحدثَت كلماته أصداء لم تتوقف حينها ولعلّها تطلّ عليّ من حين لآخر لتثبت وجودها الأبدي .

كان ينصحني بالتمسك بالأمل ! ما الذي أوحى إليه بإهدائي هذه الكلمات حينها .. لقد كانت هِبة لا تُضاهى .. كان لها لحن خاص وكأنني أسمعها للمرة الأولى، وكأنني لا أطعمها لنفسي في كل صباح وعند كل تجربة مريرة، وكأنني لست خليلة الأمل الفضلى وبنته، ولست تلك التي تتغزل به في بضع أسطر تعرضها للناس .. هل كانت هذه هي المرة الأولى التي أعرف فيها هذه الحقيقة حقاً ؟ لا أو ربما نعم بشكل ما !

إلى صاحب الكلمات، قد تقرأ هذا النص وقد لا تفعل، قد تراه وقد يموت في عين أحدٍ آخر وقد يفقد معناه ولكن كل ما أريد قوله لك هو شكراً لكلماتك العذبة، وشكراً لكل مرة ساهمت فيها هذه الكلمات في مداواة جرح أو ترميم كسر أو رسم ابتسامة بديعة بعد دمعة، أهديك بحراً من الإمتنان وأنا أمارس طقس الشكر بكلّ حب .

والشكر من قبل ذلك كله لله الذي أسمعني تلك الكلمات على لسانك، والحمد له على عنايته التي لا تنقطع بي .

الخميس، 14 يوليو 2022

هروب

 ويستمرّ مسلسل الهروب إلى ما لا نهاية، ولكن هذه المرة تجاوز الأمر حد الهروب من المحيط بكائناته إلى الهروب من نفسي .. من حقيقتي .

أهرب من تاريخي وذكرياتي، أهرب من واقعي وأحلامي، أهرب من مسؤولياتي وفراغي .. إلى أين ؟ إلى اللاشيء أو إلى عبثية الأشياء .

إلى البعيد جداً أو إلى الأقرب إليّ .. إلى أعمق نقطة بداخلي أو إلى آخر بعد على هذا الكون .

لا مكان لـ "لماذا" .. لا مكان للسببية في هذه الحكاية .. هذه السلسلة التي لا تتوقف .. هذه السلسلة التي أفرزت لي قناعة جديدة بأن الحياة ليست إلا رحلة هروب، وأننا عالقون فيها مجبرون على مجاراتها .

لماذا نميل إلى الهروب ؟ ولماذا ينصحنا الحكيم من البشر بالمواجهة ؟

أقف بين هاتين النقطتين في منطقة العدمية، ما بين هروب ومواجهة وما بين صوتٌ قلبيّ وآخر عقليّ، لا أرجح أي كفة إنني فقط أحافظ على موقعي المتردد نفسه، بين البين، وكأنني خلقت للبقاء بين الأمور، وكأن المنتصف هو مأواي .

أتأرجح ما بين الثبات الرمادي، وما بين التشتت الأسود-الأبيض، وأحاول إيجاد المكان الامثل عند كل خطوة .

هي هكذا النفس البشرية متأرجحة، تكره الثبات وإن اختارته، فليس بيدها إلاّ اختيار الحركة أو الثبات على الحركة إذاً في كل الحالات هي لن تسكن ولن تتوقف عن الخفقان إلا بموتها .



الثلاثاء، 5 يوليو 2022

وجوه

 وجوه شتى مررت بها في حياتك .. وجوه سجلت حضوراً ووجوه توارت سريعاً .. وجوه لا تفارق مخيلتك وأخرى اختفت في براثن النسيان .. وجوه تخفي وراءها ما لا يشبهها ووجوه تحمل ألف حكاية في ملامحها .. وجوه علمتك أن هؤلاء ليسوا مجرد وجوه بل كيانات وقلوب وعقول .. قصص كاملة انضمت إلى قصتك الخاصة لتصبح مشهداً متناغماً مع مسرح أحداث حياتك أو ربما .. مجرد لا شيء !

كم من هؤلاء هم الآن معك ؟ كم من هؤلاء أحدثوا تأثيراً عليك ؟ كم منهم من نادته روحك وتلقت جواباً ؟ ليس الكثير؟ بالتأكيد !

قد يكونوا محطات وقد يكونوا سيّاح قدمواْ في رحلة سريعة إلى عمق قلبك وغادرواْ بصمت بعد تلك الرحلة المثيرة التي خاضوا غمارها.. ولكن ما هو موقعك بين هذه الوجوه ؟ 

هل أنت ذلك الزائر الذي استعجل بالرحيل ؟ أم المقيم الذي أطال المكوث قليلاً ؟ أم المستوطن الذي تعهد بالبقاء ما بقي له من العمر ؟

هل تركت أثراً بارزاً في كل من التقيت أم اكتفيت بالعبور خفيفاً كنسمة هواء يتيمة ؟

وما الجدوى من أن تكون أكثر من مجرد وجه في عالم يتمخض فيه الوجه عن ألف وجه يختبئ خلفه ؟ هل تعتقد أن أجوبة هذه الأسئلة مهمة حقاً ؟

طوال عمري اكتفيت بطرح التساؤلات لأنها في حد ذاتها تحمل اجوبة لتساؤلات أخرى، ولأن الجواب عامل متغير لا يمكن الوثوق به، لذلك كان منح الثقة أولى للسؤال لا الإجابة .. تلك التساؤلات التي لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة !

ونعود لنختم بسؤال آخر كما جرت العادة .. هل أنت أكثر من مجرد وجه ؟ 

*لا أنتظر جواباً بكل تأكيد، ولكن لك الحرية في ذلك*