الجمعة، 9 يوليو 2021

أمعاء خاوية !

 


شاهدته لأول مرة ، فانقبض صدري ، كان منظراً مفاجئاً لدرجة اختلطت بها التفسيرات بالتساؤلات في عقلي .. كنت أحاول أن أميّز ما تراه عينيّ .. أهو جسد ملقىً بلا روح .. أم نصف روح محشوة بداخل جسدٍ مهترئ .. أم روح مرئية فقط ، أم لا شيء من هذا و ذاك ؟ 

ثم تساءلت كثيراً .. هل يعقل ؟ هل يفعل إنسانٌ بنفسه هكذا ؟ و في سبيل ماذا ؟ ما هو ذلك الدافع الذي يحرك إنساناً ليلقي بنفسه في وديان سحيقة من التهلكة ، أن يضحي بذلك الجسد المتكامل الصحيح الذي وُهِب له من الخالق المنان ، أن يعطّل ذلك النظام الساري بجسمه من أكبر أعضاءه حتى أبسط خلاياه !

كان الأمر صادماً و باعثاً بالعديد من الأسئلة الروحية العميقة ، أَهي الحرية ، من تدفعنا إلى كل ذلك ، من تحرّك كل شعور فينا إلى ذروته ، و توجه كل تفكيرنا نحو آفاق المجهول ؟ هل تتحمل الحرية كل تلك الآثام ؟ أم أنه في سبيلها يتحول كل إثم إلى ثواب .. و كل عقاب إلى تعزيز مجزٍ !

أهي ثمينة إلى هذا الحد ، إلى حد أن تحصد أرواح الشرفاء .. و تستقي من دماء الأنقياء .. و تنعم بكلمات الحق من فمِ صنديد لا يهاب خناجر الغدر و سهام الإغتيال .

في صفحاتها أسماء موسومة بأسمى الصفات الإنسانية .. ليسواْ ضحايا .. بل أيقونات تكتسي الخلود .

مثل قصة أمعاء خاوية .. حاربت قوانين الطبيعة و سنن البشر حتى تظلّ صامدة بوجه أشباح الموت التي كانت تحدّق فيها بحدة ، و توجه صفعة لوجوه بضع كائناتٍ تستهوي البطش ، و تتمرغ في وحل الظلم دون رادع ،

و انتصرت .. نعم انتصرت تلك الأمعاء المنهكة في معركتها ، و نالت رشفة من رحيق الحرية المنعش ، حتى دبّت فيها الحياة من جديد ، و حل عليها الربيع أخيراً من بعد أشهر الجفاف القاتلة .

نعم فعلها و هو أهلها ، لأنه عندما جفّ جسده .. ارتوت روحه بالنصر ، و لأنه ما كان منهزماً في أي حين ، بل كانت عيناه تطالع السماء دائماً باشتياق ، و كانت روحه ترقب العُلا ، و كان اسمه يحلّق حرّاً يلقي التحايا على الشهداء و يسلم على الأحباب بكل ود .

نعم هو الغضنفر و سواه كثير ، محاربون أشاوس يحلمون بالحرية في كل ليلة ، فيستيقظون فقط لتحقيق ذلك الحلم ، و يتشبثون بكل قطرة أمل تنتشلهم إلى فضاءات واسعة ، هم كُثُر من حولنا ، يحتفي بهم التاريخ و يسجل أصواتهم في قواميسه و في أذهان أبطال ما زالواْ قيد الإنشاء ، تصطنعهم الحرية لنفسها و تجهزهم لخوض المعترك الأضخم في نضالهم المستمرّ و الممتدّ ممن سبقوهم .

هو نزال وجود مستمرّ .. إما أن تحارب لتنال أو تقعد خائباً .. النصر و لا سواه ثمن يُقبَل .

و كأن لسان حالهم يقول : على هذه الأرض ما يستحق الحياة و الموت .. و النضال و المعاناة .. و الأمل و الألم ، و مزيج من شتى فصول الحياة ، لأنها أرض الأحرار و سوف تظلّ أبد الدهر .

أبشركم و أهنئكم .. بحياة جديدة للغضنفر يستقبلها بأهازيج النصر و السعادة ، و الحرية لكل معتقل قد سلبت منه  ، و لأنهم شخصيات جديرة بالذكر في كل مكان و كل محفل أحببت أن أخصص هذه المساحة لأتحدّث قليلاً و أهب كلماتي الإذن بالتعليق على حدثٍ أثار توقدها و اندفاعها ، لتنال شرف الحديث عن تضحية رفيعة الشأن انطلقت تنادي بحريتها حتى ظفرت بها .

و حتى هذه اللحظة لا يزال العديد من الأسرى يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام على أمل أن يفطرواْ على حلاوة النصر ، فيا رب بشرهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق