عندما قرر أن يلقي بنفسه إلى الأمواج .. كان يعلم بأنه سيخوض صراعاً فتّاكاً مع أمواج من صنف آخر .. سيكون صراع القدر و المصير ، و هو الجهاد من أجل نصف حياة .. ذهب محمّلاً بمتاعٍ كثيف من خيبات الأمل .. رحل واضعاً الموت نصب عينيه .. لا يرى سواه على متن قاربه المتهالك .
تتكالب عليه أمواج و أفواج تحمل ظلمة العالم بأسره في جوفها .. تتدافعه الرياح العاتية فيتمايل باضطراب .. يلكمه الزمهرير كلما غفى أو تغافل .. تتقاذفه الحدود و المسافات .. لتلقي به إلى بر الحياة أو بر العدم .. يحتسي ليالٍ من السُّهد البائس .. فتطوقه كوابيس يَقِظة و تمطر السماء عليهِ حمماً لاذعةً .
و عندما وصل .. استقبلته أعين جارحة و أفئدة أشدّ إيلاماً مما خُيِّل إليه قبل الوصول .. لطالما تجاهل كونه كائن غير مرحّب فيه في أي وجهة يطؤها و أي بقعة تستقبله .. لأنه كائن سيظلّ الإرتحال مصيره و يومه و غده .. لأنه إنسان هجر وطنه ، فكيف يكون له للإتصال سبيلاً ؟
و يمضي و يستمر بالمضيّ في رحلته اللانهائية حتى يصل إلى وجهة اللاعودة ، فيمحو بذلك كل إحصاء فقير ليحلّ محله صفراً مطلقاً .
و كيف يكتسب الشخص قيمته في هذه الحياة ؟ إن كان قد أُقحِم في معركةٍ بين أطراف هو ليس منها ، و لكنه هو الخاسر الأكبر فيها .. هو صفر هذه المعادلة ، هو الطرف الذي أُلقيَ في حفرة على حين غرة و أضرمت به نيران حارقة .. دون أن يكون له حدثٌ أو حادثٌ و حديث !
و بعد ذلك كله نظلّ نسأل ببراءة : و هل للإنسان قيمة إذن ؟
عندما يلتهمه البحر و موجه .. فيبكي إشفاقاً عليه .. و يصمت البشر صمتاً أبدياً في ثبات مريب .
ضمائر صامتة .
أرواح غارقة .
حياة تنتظر أجلها خلف القضبان .
لذلك هو صمت الضمير الذي نحاربه .. نناديه لعله يستيقظ حيناً .. حتى لا يغطّ في غيبوبة تتسبب في مقتله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق