السبت، 27 فبراير 2021

إلهام الدروب

 نكتشف في كل مرة أننا لا نزال بحاجة إلى التعرف إلى بعضنا عن قرب ، نحتاج لأكتشاف ذواتنا و اكتشاف الآخرين ، فالتقارب بين الشعوب و بالرغم من كل ما توصلنا إليه من تطور في عالمنا الحديث اليوم لا يزال غير كافٍ ، لأننا في أحيان كثيرة نستمد معلوماتنا من المصدر الخاطئ أو ربما قد لا يكون مصدراً كافياً للحصول على المعلومة المنشودة بشكلها الكامل .

من أجل معرفة الشعوب لا بد لنا من الإقتراب الحقيقي منهم و الإنخراط في تفاصيل حياتهم ، فهناك جوانب معنوية لا يمكن أن تتضح و تصل إلى إدراكنا عبر شاشة مرئية أو من وراء كتاب ، إنما تُرى و يتم الشعور بها من خلال التجربة و المواكبة الحية حتى تنتقل إلى أعماقنا ، فالتاريخ يؤخذ من أصحابه ، و المعلومة تؤخذ من أبناءها ، و الكتب تروي تفاصيل هامة لا يمكن التغاضي عنها و لكنها أيضاً تغفل عن شرح ما ترويه العيون و ايصال ما تنشده الأفئدة في أحيان كثيرة ، لا يستغني اللبيب عن جميعها ، أما البسيط فبنظرة سطحية يكتفي .

لدى كل شعب الكثير مما يجعله مميزاً عن غيره ، روايات و عادات و أمور لم تكن بالحسبان ، و إن كنّا بتقصيرنا نرى في بعض الشعوب تشابهاً كبيراً أو حتى تماثلاً مع أخرى ، و لكن التشابه لا يمكن أن يكون كلياً ، لأن أفراد المنزل الواحد مهما تشابهواْ فهم مختلفون ، نعم جميعهم يتشاركون ذات الحس الإنساني معنا و لكن لا خبرة تأتي بلا تجربة ، فالقصة بدأت من آدم ثم اختلفت الروايات من بعدها و تنوعت و ازدانت بألوان متباينة ، و ما عند قوم قد يخالف ما عندك ، لكن لابد ألّا يمنع ذلك المضي في ثقافة الاستماع للغير ، لابد أن لا يشكّل الإختلاف حاجزاً بيننا و بين أحدهم في مكان آخر ، فالمعتقدات هي من تعرفنا على آيديولوجيات الآخرين و تعطينا نبذة عمّا يفكرون به و يؤمنون به ، و تفتح لنا صناديق التفكير و الحوار التي ظلت مغلقة بالشمع لأزمنة طويلة .

أما الإيمان فلا يمكن أن يفقدنا الرغبة بالمعرفة على الإطلاق ، و لا يجب حدوث ذلك لأن الإيمان يحرك المعرفة و السعي إليها ، لأن الدنيا رحلة تعارف و تعلم كما جاء في توجيهات ربنا الحكيم في محكم تنزيله : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " ، لذلك بإمكاني القول أن ديننا الحنيف هو الراعي الأساسي لهذه العملية الضرورية للتقدم الحضاري و التعايش السلمي .

 خلقت الأرض لنا .. لنعيش معاً و نتقاسم مواردها و أيامها و علومها ، لنتقبل كل اختلافاتنا كفطرة ضرورية خلقت معنا ، و ننشر من عبير ثقافاتنا  ما يمحي كل لبس و سوء فهم قد حدث أو قد يحدث .

لا تقتل فضولك تجاه الحضارات المختلفة - فالمعرفة هي الأهم ، هي رحلة حافلة لا تنتهي حتى تضع لها أنت حداً ، تستمدها من كل ما حولك و تستمد طاقتك نحو الإستمرار في هذه الحياة منها ، نعم هي الإلهام .

و فيما يلي فضل الساعي إلى العلم كما ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم تسليماً كثيراً :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا به إلى الجنة» (رواه مسلم). 

 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» (رواه الترمذي).



الجمعة، 12 فبراير 2021

ايلان .



رأيت منظراً مشابهاً من قبل .. مشابه لدرجة عميقة من الإختلاف ، و مختلف لدرجة يسخر بها من عقلي !

بين طفل ينام هانئاً لا حمل على ظهره و لا هم يستوطن صدره ، و طفل آخر نائم في مكان بعيد عن دنيانا ، ليس في فراشه الصغير و لا بداخل حضن أمه الدافئ ، و ما الفرق إذن ؟

جسد يحمل روحاً باسمة و جسد آخر ساكنٌ لا روح فيه .. بلا نفس .. بلا أحلام .. بلا أي شيء ، تتلاطمه الأمواج ككومة خردة لا مالك لها ، أين اختفت روحه و أنفاسه .. عارٌ على أرواحنا السؤال و الإجابة ، يا وردة من أراضي الجنة .. وردة فقدت جذورها فماتت غرقاً في دنس دنيانا .

 اذهب .. و أخبر الله بكل ما رأيت .. بمشاهد لا تتسع لها عينيك الضئيلة ، بأم لم تشبع منها ، بأبٍ لم تشاهد ابتسامته ، بوطن لم تعش على أرضه و لم تنعم بخيراته .. لم تحفظ نشيده و لم تتغنى بانتمائك له ، أخبر الله بكائنات لا ترحم و محيط شديد البرودة ، و إن كنت هنا ، و إن كانت لي فرصة ، لكنت وهبتك ما سلبوك إياه ، حياة ، أم ، أب ، وطن ، أمان لم تعشه على وجه هذه الأرض فقط إن ...

و لكن ما السبيل ؟ و كيف الحيلة ؟ فسفننا لا تشتهي و لا تتحرك لها الرياح طوعاً .. انها فقط تغرق !!

رسالة اعتذار ؟ و كيف يكون التعذر من روح فارقتنا مبكراً قبل أن يصبح الصبح ؟

تجبرنا الحياة على طرح أسئلة كثيرة لا تنتظر لها أجوبة ، أسئلة بلا قيمة و لا معنى و لا فائدة و لا أثر ، حيرة لا تنتهي بل تتجدد مع الأيام ، ترتدي كل يوم حلة جديدة نصطدم بها فنفقد القدرة على النطق و استنزاف حروف اللغة كما تعودنا .

بعداً لجغرافيا ظالمة حددت أجوبة سوداء مجحفة لأسئلة لا يجوز الإجابة عنها ، بل لا يجوز أن تطرح من الأصل ، بعداً لأتباع يحفظون الكلمة بلا إدراك .

و إلى جنات الخلد إيلان و رفقائك من الملائكة الصغار ، الذين حلواْ ضيوفاً على عالمنا فلم نحسن الضيافة .

لا يتبع ...